خروتشوف

زعيم شيوعى بارز و رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي بعد وفاة جوزيف ستالين عام 1953 و يعتبر أحد اللاعبين الأساسيين في حقبة الحرب الباردة خلال فترة الخمسينيات و الستينيات التى بلغت ذروتها خلال أزمة الصواريخ الكوبية و كادت أن تصل بالعالم الى حافة الحرب العالمية الثالثة بالاضافة الى معاصرته لأزمات عالمية أخرى أبرزها حرب السويس و حادثة اسقاط طائرة التجسس الأمريكية U2 فوق الأراضى السوفيتية كما كان مشرفا على بناء جدار برلين الذى كان ينظر اليه كرمزا لانقسام العالم الى معسكرين متصارعين و رغم ذلك الا أنه اتبع قدر الإمكان سياسة التعايش السلمي مع دول الغرب الرأسمالي حيث كان دائم الزيارات لدولهم لاجراء مباحثات لمحاولة الحد من توترات الحرب الباردة اما على صعيد السياسة الداخليه فقد أسس نيكيتا خروتشوف شكلاً أكثر انفتاحًا للشيوعية في الاتحاد السوفيتي بعد أن كان أول مسئول يناقش الفظائع التى كان يرتكبها سلفه بحق مواطنيه و يندد بها علنا و بدأه فى عملية إزالة الستالينية من داخل المجتمع السوفيتى من خلال سن إصلاحات ليبرالية نسبيًا كما ينسب اليه الفضل فى رعاية برنامج الفضاء السوفيتى المبكر الذى كلل بإطلاق أول قمر صناعى عرفته البشرية و هو سبوتنيك 1 كبداية لدخول العالم عصر غزو الفضاء و رغم سياساته التى كانت تهدف الى رفاهية المواطنين الا أنه شابتها بعض من العيوب التى أستغلها خصومه السياسيين و الذين نجحوا فى عزله من السلطه حيث تقاعد و بدأ فى كتابة مذكراته التى تم تهريب بعضها الى الخارج و نشرت بشكل جزئى الى أن توفى عن عمر يناهز 77 عاما .

نشأته و حياته الأولى

ولد “نيكيتا سيرجيفيتش خروتشوف” في 15 من أبريل عام 1894 بمنطقة “كالينوفكا” فى “روسيا” الواقعة بالقرب من الحدود الأوكرانية لأب كان يعمل فى منجما للفحم و أم تعمل بالفلاحه و درس الطفل فى مدرسة القرية و عند بلوغه الخامسة عشرة عمل في أحد المصانع كمركب للأنابيب و كان واحدا من نشطاء النقابات العمالية و أنضم الى الحزب الشيوعى عام 1918 و قاتل في صفوف الجيش الأحمر خلال الحرب الأهلية الروسيه و بعد الحرب تم قبوله في مدرسة العمال السوفيتية الجديدة في “يوزوفكا ” حيث تلقى تعليمًا ثانويًا بجانب تعلم الأفكار الشيوعية التى تشبع بها حتى النخاع و مكنته ليصبح زعيمًا سياسيًا للطلاب و يعُين كسكرتيرًا للجنة الحزب الشيوعي في المدرسة .

الصعود إلى السلطة

بحلول عام 1925 ذهب ” نيكيتا خروتشوف ” إلى العمل الحزبي بدوام كامل كسكرتير للحزب في منطقة “بتروفسكو-ماريينسك” في “يوزوفكا” حيث عرف عنه بالعمل الجاد و الذى من خلاله تعرف علي “لازار كاجانوفيتش” الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعى الأوكراني و المقرب من “جوزيف ستالين” و الذي طلب من “خروتشوف” مرافقته كمندوب غير مصوت في المؤتمر الرابع عشر للحزب في “موسكو” و على مدى السنوات الأربع التالية في “يوزوفكا” ثم في “خاركيف” لاحقا عمل كمنظم لأمور الحزب و في عام 1929 حصل على إذن للذهاب إلى “موسكو” لدراسة علم المعادن في أكاديمية “ستالين” الصناعية حيث عين فيها سكرتيرًا للجنة الحزب في الأكاديمية و في عام 1931 عاد إلى العمل الحزبي بدوام كامل في “موسكو” و بحلول عام 1933 أصبح السكرتير الثاني للجنة الإقليمية في العاصمة .

و خلال أوائل الثلاثينيات عزز ” نيكيتا خروتشوف ” قبضته على كوادر حزب “موسكو” و أشرف على استكمال مترو أنفاق العاصمة و الذي حصل من خلاله على وسام “لينين” عام 1935 و في ذلك العام أيضا أصبح السكرتير الأول لمدينة “موسكو” أى حاكمها و في المؤتمر السابع عشر للحزب تم انتخابه كعضو كامل في اللجنة المركزية المكونة من 70 رجلاً للحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي حيث كان مؤيدًا متحمسًا لستالين في تلك السنوات و شاركه في تطهير قيادة الحزب و كان واحداً من ثلاثة أمناء إقليميين فقط نجوا من عمليات الإعدام الجماعية في حملة التطهير الكبرى التى حدثت في الثلاثينيات و أصبح عضوًا في اللجنة الدستورية عام 1936 و بعدها بعام عضوًا مناوبًا في المكتب السياسي الحاكم للجنة المركزية و في نفس العام عضوًا في لجنة الشؤون الخارجية للمجلس السوفيتى الأعلى و فى عام 1938 تم تعيينه كعضو مرشح في المكتب السياسي و تم إرساله إلى “كييف” كسكرتير أول لمنظمة الحزب الشيوعى الأوكراني و في عام 1939 أصبح عضوا كامل العضوية في المكتب السياسي .

نيكيتا خروتشوف مع الزعيم السوفيتى جوزيف ستالين

و بقدوم عام 1940 و بعد أن احتلت القوات السوفيتية شرق “بولندا” أشرف ” نيكيتا خروتشوف ” على “دمج” هذه المنطقة في “الاتحاد السوفيتي” حيث كان هدفه الرئيسي هو تصفية كل من الحركات القومية البولندية و الأوكرانية و كذلك استعادة نفوذ الحزب الشيوعي في “أوكرانيا” الذي تم تحطيمه خلال حركة التطهير الا أن كل تلك الخطوات قد تعطلت بسبب الغزو الألماني للاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية في يونيو عام 1941 حيث كانت أول مهمة لخروتشوف في زمن الحرب هي إخلاء أكبر قدر ممكن من الصناعة الأوكرانية إلى الشرق و بعد ذلك تم إلحاقه بالجيش السوفيتي برتبة فريق و كانت مهمته الرئيسية هى تحفيز مقاومة السكان المدنيين و الحفاظ على الاتصال مع “ستالين” و أعضاء آخرين في المكتب السياسي.

و بعد تحرير “أوكرانيا” عام 1944 استعاد ” نيكيتا خروتشوف ” السيطرة على “أوكرانيا” كسكرتير أول لمنظمة الحزب الشيوعى الأوكراني حيث عمل على إعادة الإدارة المدنية و إعادة اعمار البلد المدمر و في عام 1949 استدعاه “ستالين” مرة أخرى إلى “موسكو” حيث تولى منصبه القديم كرئيس مدينة “موسكو” وفي الوقت نفسه تم تعيينه سكرتيرًا للجنة المركزية للحزب الشيوعي حيث كانت تلك الفترة بعيدة كل البعد عن كونها ممتعة بالنسبة لخروتشوف و أعضاء آخرين في القيادة السوفيتية الذين وجدوا أنفسهم بيادق في سياسة قصر “ستالين” .

و بعد وفاة “جوزيف ستالين” عام 1953 استخدم ” نيكيتا خروتشوف ” مهاراته السياسية ببراعة لنقل أو عزل خصومه السياسيين الذين هددوا صعوده إلى قيادة الحزب حيث أعدم رئيس أمن الدولة القوي “لافرنتي بيريا” و انخرط في صراع على السلطة مع “مالينكوف” الذي كان وريث “ستالين” حيث أستطاع أن يحل محله كسكرتير أول , و في عام 1955 أبعد “مالينكوف” من رئاسة الوزراء لصالح مرشح ” خرتشوف ” المختار المارشال “نيكولاي بولجانين” و في فبراير عام 1956 و خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى شجب فيه ” نيكيتا خروتشوف ” علنا تجاوزات حقبة ستالين بشكل أذهل المندوبين الحاضرين على تلك الصراحة و الشجاعه حيث قام بالبدء فى سياسات نزع الستالينية عبر هيكلة أجهزة الأمن بغرض إضفاء الطابع الإنساني على النظام السوفيتي من خلال تخفيف القيود المفروضة على حرية التعبير و الإفراج عن موجات من السجناء السياسيين من معسكرات العمل القسري سيئة السمعة و رغم حصول تلك السياسات على تأييد واسع من الشعب الا أنها أكسبته أيضا بعض من المعارضين على إعتبار أنها سياسات غير مدروسة أدت فى النهاية الى ظهور حركات منشقه مناهضة للسيطرة السوفييتية في “بولندا” و “المجر” و رغم سياساته التسامحيه الا أنه استخدم بعض الأساليب التى كان يتبعها ” ستالين ” لتجنب الإطاحة به , و فى خلال حكمه أيضا أطلق ” نيكيتا خروتشوف ” أهدافًا زراعية جريئة من خلال محاولة زيادة انتاج المحاصيل عبر زراعتها فى مناطق ذات مناخ قاسي كسيبيريا الا أنها كانت غير قابلة للتطبيق بالاضافة الى خفضه ميزانيات الصرف العسكرى مقابل العمل زيادة إنتاج السلع الاستهلاكية للمواطنين و ذلك لمحاولة تقليل تسارع سباق التسلح .

و رغم سياساته المتزنه الا أن ” نيكيتا خروتشوف ” كان يظهر خلال معظم فترات الحرب الباردة بشكل عدوانى لتحميس شعبه من خلال خطاباته أو ردات فعله ففى الوقت الذى كان يدعو فيه علنا الى التعايش السلمي مع الغرب كان أيضا يحذر بأنه سوف يدفنهم كما أنه كان معتاد أن يدخل فى تلاسنات كلامية كثيرة أبرزها ما حدث في يوليو عام 1959 حين تنازع شفهيًا مع نائب الرئيس الأمريكي فى ذلك الوقت “ريتشارد نيكسون” حول الابتكارات السوفيتية في الأجهزة المنزلية مقابل الأمريكية .

الحرب الباردة و أزمة الصواريخ الكوبيه

مع مطلع السيتينيات توترت العلاقات بين “الاتحاد السوفيتي” و “الولايات المتحدة” بشكل كبير بعد إسقاط طائرة تجسس أمريكية من طراز U-2 فوق الأراضى السوفيتية عام 1960 و ما حدث فى العام التالى من فشل غزو خليج الخنازير المدعوم من “الولايات المتحدة” لكوبا و بدء بناء جدار برلين بألمانيا مما زاد من سوء العلاقات بينهم و في أوائل عام 1962 وضع ” نيكيتا خروتشوف ” خطة لنشر صواريخ نووية سوفيتية في “كوبا” حيث أكتشفت ” الولايات المتحدة ” ذلك الأمر في أكتوبر من نفس العام و تقوم بفرض حصار بحرى حول الجزيرة و بعد 13 يومًا من المفاوضات المكثفة انتهت الأزمة بموافقة ” الاتحاد السوفيتى ” على إزالة تلك الصواريخ مقابل موافقة “الولايات المتحدة” على إزالة صواريخ “جوبيتر” الباليستية من “تركيا” و “إيطاليا” مع التعهد بعدم غزو “كوبا” .

الزعيم السوفيتى نيكيتا خروتشوف مع الرئيس الأمريكى جون كينيدى

سنواته الأخيرة و وفاته

على الرغم من أن الاتفاقية التى حدثت بين ” الاتحاد السوفيتى ” و ” الولايات المتحدة ” تجنبت المواجهة النووية و نزعت فتيل أزمة الصواريخ الكوبية و كانت مصدر ارتياح كبير لمعظم دول العالم إلا أن كبار مسؤولي الحزب الشيوعي رأوا فيه خسارة كبيرة لمكانة “الاتحاد السوفيتي” بالاضافة الى حدوث نمو إقتصادى ضعيف خلال عامين بجانب وجود علاقات متوترة مع الصين حيث كانت أسباب كافيه لإعطاء خصوم ” نيكيتا خروتشوف ” بداخل الكرملين زخماً للإطاحة به من السلطة .

أقرأ أيضا : تشى جيفارا ( 1928 – 1967 )

و فى 14 من أكتوبر عام 1964 قبلت اللجنة المركزية طلب ” نيكيتا خروتشوف” بالانسحاب بسبب تقدمه في السن و ضعف صحته ليحل محله نائبه “ليونيد بريجنيف” حيث عاش ” خروتشوف ” بهدوء في “موسكو” و في بلده الريفي كمتقاعد خاص من الحكومة السوفيتية و كان يتم ذكره في الصحافة السوفيتية من حين لآخر و يظهر علانية فقط للتصويت في الانتخابات السوفيتية و في عام 1970 نشرت مذكراته في “الولايات المتحدة” و “أوروبا” و ليس “الاتحاد السوفيتي” حيث كانت تلك المذكرات دفعة أولى من مجموعة كبيرة من الذكريات الشخصية التي أملاها سراً أثناء تقاعده و بعدها بعام توفي ” نيكيتا خروتشوف ” لأسباب طبيعية في 11 سبتمبر 1971 عن عمر يناهز 77 عاما حيث لم يعلن عن وفاته رسميا الا بعد مرور يومين و رغم أن جثمانه مُنع من إقامة جنازة رسمية له الا أنه سمح بدفن هادئ في مقبرة “دير نوفوديفيتشي” بالعاصمة “موسكو” .

مقتطفات من حياة نيكيتا خورتشوف

  • عندما زار ” نيكيتا خروتشوف ” الولايات المتحدة عام 1959 قام بزيارة مزرعة في ولاية “أيوا” و متجرًا تجاريًا في “سان فرانسيسكو” و استوديو تلفزيوني في “لوس أنجلوس” و كان من المقرر أن يزور “ديزني لاند” لكن الرحلة ألغيت بسبب مخاوف أمنية حيث كان منزعجًا جدًا من الغاء تلك الزيارة .
  • عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 تم إعفاء “خروتشوف” من التجنيد لأنه تم تحديده على أنه عامل معدني ماهر يجب الاستفادة منه من خلال عمله .
  • تزوج ” نيكيتا خورتشوف ” مرتين الأولى كانت من ” يفروسينيا بيساريفا ” فى زواج أستمر خمس سنوات و انتهى بوفاتها عام 1920 فى احدى المجاعات التى طالت أوكرانيا و انجب منها ” ليونيد و يوليا ” أما الزوجة الثانية فهى ” نينا كوخارشوك ” و الذى تزوجها عام 1924 و أنجب منها ” إيلينا و رادا و سيرجى ” .
شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *