الأزمة الصينية التايوانية

في كل بقعة من العالم توجد العديد من الأزمات السياسية التى قد تكون مقدمة لإندلاع حرب شاملة و إذا تم النظر إلي منطقة شرق أسيا سنجد أن الأزمة الصينية التايوانية هي التى تتصدر عناوين الصحف و وكالات الأنباء خاصة مع التصعيدات الصينية الأخيرة و المبنية علي خلاف تاريخي و أيديولوجي بين كلا الدولتين بدأ منذ عام 1949 حيث تعرف تايوان رسميًا باسم جمهورية الصين (ROC) و تدار من قبل حكومة منتخبة ديموقراطيا و مدعومة من الغرب و بشكل مستقل تماما عن جمهورية الصين الشعبية (PRC) التي تعتبرها مقاطعة منشقة عنها و تتعهد علي الدوام بتوحيدها و ضمها إلي البر الرئيسي حيث تعد تايوان جزيرة يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة و تبعد عن ساحل جنوب شرق الصين بمسافة 161 كيلومتر و يفصل بين كلا البلدين مضيق تايوان و من حين إلي أخر تحدث بعض من التوترات لأسباب متعددة و يقوم الجيش الصيني بإجراء عدد من المناورات عبر ذلك المضيق لإرسال رسائل سياسية محددة إلي تايوان و من يقف ورائها .

خريطة الصين و تايوان

و ترجع أسس الأزمة الصينية التايوانية إلي خلفية تاريخية حيث تشير المصادر إلى أن الجزيرة خضعت لأول مرة للسيطرة الصينية الكاملة في القرن السابع عشر عندما بدأت أسرة “تشينج” في إدارتها ثم في عام 1895م تخلوا عنها لصالح ” اليابان ” بعد خسارتهم الحرب الصينية اليابانية الأولى و بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 و إستسلام اليابانيين أستولت “الصين” مجددا علي الجزيرة مرة أخري لكن حرب أهلية نشبت في الصين القارية بين القوات الحكومية القومية بقيادة “تشيانج كاي شيك” و الحزب الشيوعي الذي يتزعمه “ماو تسي تونج ” و إنتهت بإنتصار الشيوعيين عام 1949 و قيامهم بالسيطرة على العاصمة “بكين” و يفر ” تشيانج كاي شيك ” و من بقي من الحزب القومي المعروف بإسم “الكومينتانج” إلى “تايوان” حيث حكموا الجزيرة لعدة عقود تالية حيث تشير “الصين” أن “تايوان” كانت في الأصل مقاطعة صينية لكن التايوانيين في المقابل يشيرون أنهم لم يكونوا أبدًا جزءًا من الدولة الصينية الحديثة التي تشكلت لأول مرة بعد الثورة عام 1911 أو جمهورية الصين الشعبية التي تأسست في عهد “ماو” عام 1949 .

تشيانج كاي شيك و ماو تسي تونج زعماء الأزمة الصينية التايوانية
تشيانج كاي شيك و ماو تسي تونج

و دائما كلما تجددت الأزمة الصينية التايوانية تشدد ” بكين ” علي أن “تايوان” جزء منها و أن حكومة جمهورية الصين الشعبية هى الوحيدة و الشرعية و هو نهج يطلق عليه مبدأ “الصين الواحدة” و الساعي إلى توحيد “تايوان” في نهاية المطاف مع البر الرئيسي و تشدد ” الصين ” أن “تايوان” ملزمة بتفاهم يُعرف بإسم “توافق 1992” و الذي تم فيه التوصل إلي إتفاقيات بين ممثلي الحزب الشيوعي الصيني (CCP) و حزب الكومينتانج (KMT) الذي حكم “تايوان” في ذلك الوقت الا أن كلا الجانبين لا يتفقان في تفسير ذلك التوافق حيث قال الرئيس الصيني “شي جين بينج ” أنه إتفاقا يعني أن جانبي المضيق ينتميان إلى صين واحدة و سيعملان معًا للسعي إلى إعادة التوحيد الوطني أما بالنسبة لحزب “الكومينتانج” فإن مفهوم الصين الواحدة ليس معناه أن كلا البلدين يلتزمان بحكومة أو أيديولجية واحدة .

و رغم التعامل مع “تايوان” بإعتبارها دولة مستقلة إلا أنها غير منضمة إلي الأمم المتحدة حيث ترفض ” الصين ” بإصرار مشاركتها كعضو في وكالات تلك المنظمة و المنظمات الدولية الأخرى التي تقصر العضوية على الدول لذلك دائما ما تحتج ” تايوان ” بشكل منتظم على إستبعادها رغم محاولات إشراكها من قبل “الولايات المتحدة” كما أنها أنتقدت منظمة الصحة العالمية (WHO) لإستسلامها لمطالب “بكين” و إستمرارها في حظرها رغم إنتشار وباء كورونا رغم أنها كانت من أكثر الدول إستجابة لتوصياتها في العامين الأولين من الوباء و وجود دعوات من بعض من وزراء مجموعة الدول السبع الصناعية الكبري لإدراجها في منتديات منظمة الصحة العالمية و لكن لم يتم الإستجابة لطلبهم بسبب الأزمة الصينية التايوانية و مع ذلك تتمتع “تايوان” بصفة عضو في أكثر من أربعين منظمة معظمها إقليمية مثل بنك التنمية الآسيوي و منتدى التعاون الإقتصادي لآسيا و المحيط الهادئ و كذلك في منظمة التجارة العالمية كما تحمل صفة مراقب في عدة هيئات أخرى و هناك ثلاثة عشرة دولة فقط من بينها “الفاتيكان” هي من تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع “تايوان” و في مارس عام 2023 أصبحت “هندوراس” أحدث دولة تقطع علاقاتها معها و تقيم علاقة مع “الصين” حيث لم تحافظ أي حكومة على الإطلاق على علاقات دبلوماسية رسمية مع كلا من الصين و تايوان .

و تعتبر علاقة “تايوان” مع “الولايات المتحدة” بها شئ من التعقيد ففي عام 1979 أقام الأمريكيين علاقات دبلوماسية رسمية مع جمهورية “الصين” الشعبية و قطعوا علاقاتهم الرسمية مع ” تايوان ” و لكن في نفس الوقت حافظ الأمريكيين على علاقة قوية غير رسمية مع الجزيرة و واصلوا تقديم المعدات الدفاعية لجيشها رغم حث “بكين” لـ “واشنطن” مرارا على وقف بيع الأسلحة إلى “تايبيه” و قطع الإتصالات معها و كان رد الأمريكيين بأن موقفهم ثابت حول أنه لا يوجد سوى “صين واحدة” و أن “تايوان” جزء منها و أن جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التى تمثل الصينيين و لكن في نفس الوقت يرفضون أي إستخدام للقوة لتسوية النزاع و ملتزمون بالمحافظة على العلاقات الثقافية و التجارية مع التايوانيين التي تتم من خلال المعهد الأمريكي في تلك البلاد كما يعبرون عن إلتزامهم ببيع الأسلحة لتايوان للدفاع عن النفس و تحتفظ بحقها في الدفاع عن “تايوان” مع عدم الإلتزام بذلك و هي سياسة تُعرف باسم الغموض الإستراتيجي الذي من خلاله يحاول الأمريكيين على مدى عقود الحفاظ على توازن دقيق بين دعم “تايوان” و منع نشوب حرب مع “الصين” لكن يبدو أن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” قد رفض هذه السياسة مؤخرا حين صرح عدة مرات أن “الولايات المتحدة” ستدافع عن “تايوان” إذا هاجمتها “الصين” ثم تراجع مسؤولي البيت الأبيض عن تلك التصريحات قائلين إن السياسة لم تتغير و لكن في النهاية على الرئيس أن يقرر كيفية الرد و رحب العديد من أعضاء الكونجرس و بعض الخبراء بتصريحات “بايدن” بحجة أن سياسات “الصين” العداونية تتطلب الوضوح فى التعامل بينما أختلف خبراء آخرون مع هذا الموقف .

الأزمة الصينية التايوانية

و أشار العديد من المراقبين أن تبدل السياسات الأمريكية حيال الأزمة الصينية التايوانية بدأت في عهد الرئيس “دونالد ترامب” بعد أن عمقت “الولايات المتحدة” العلاقات مع “تايوان” رغم الإعتراضات الصينية و ذلك من خلال بيع ما قيمته أكثر من 18 مليار دولار أمريكي من الأسلحة للجيش و الكشف عن مجمع بقيمة 250 مليون دولار لسفارتها في العاصمة التايوانية “تايبيه” كما تحدث “ترامب” مع الرئيسة التايوانية “تساي” عبر الهاتف قبل تنصيبه و هو أعلى مستوى من الإتصالات بين الجانبين منذ عام 1979 كما سافر إليها العديد من كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية و خلال أيامه الأخيرة في منصبه قامت وزارة الخارجية بإلغاء القيود طويلة الأمد التي تنحكم في كيفية لقاء المسؤولين الأمريكيين مع نظرائهم التايوانيين ثم أتبعت إدارة “بايدن” نهجًا مشابهًا حيث تواصلت مبيعات الأسلحة و كان “جو بايدن” أول رئيس أمريكي يدعو ممثلين تايوانيين لحضور حفل تنصيب الرئيس و بدأ الأمريكيين في التدريبات العسكرية مع “تايوان” و أصبحت سفنهم الحربية تتواجد في المضيق لإثبات وجودها العسكري في المنطقة و شجعت “تايوان” على زيادة إنفاقها الدفاعي و تعزيز دفاعات الجزيرة و تشجيع مشاركتها في المنظمات الدولية و محاولة تصنيفها كحليف رئيسي من خارج منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) .

الأزمة الصينية التايوانية

و رغم الأزمة الصينية التايوانية و التى دائما ما تكون علي هيئة تأهب عسكري إلا أن الصينيين يتبعون تكتيكات خاصة خلال تلك الأزمة بعيدا عن الصراعات المسلحة بغرض إنهاك “تايوان” و دفع سكان الجزيرة إلى إستنتاج أن أفضل خيار لهم هو التوحيد مع البر الرئيسي و تحقيقا لهذه الغاية زادت “الصين” من وتيرة و حجم دوريات قاذفات جيش التحرير الشعبي الصيني و الطائرات المقاتلة و طائرات المراقبة كما قامت بإبحار سفنها الحربية و حاملات الطائرات بشكل متزايد عبر مضيق تايوان في استعراض للقوة كما تشرف علي آلاف الهجمات الإلكترونية التى تستهدف وكالاتها الحكومية بشكل يومي و قطع آلية الاتصال عبر المضيق مع مكتب الإتصال الرئيسي في “تايوان” و ساهمت في خفض عدد السائحين الذين يزورون “تايوان” من البر الرئيسي من 4 ملايين سائح عام 2015 إلى 2.7 مليون في عام 2019 كما ضغطت “الصين” على الشركات العالمية بما في ذلك شركات الطيران و سلاسل الفنادق لإدراج “تايوان” كمقاطعة صينية بالإضافة إلى إرهاب الدول التي لها علاقات مع الجزيرة حيث قطعت التجارة مع ” ليتوانيا ” عام 2021 لافتتاحها مكتب تمثيلي تايواني في عاصمتها .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *