قصة قطة الغرفة رقم 8 التي ساهمت في تطوير مدرسة إبتدائية و تعليم تلاميذها

إذا سافرت يوما إلي ولاية كالفورنيا في الولايات المتحدة و أثناء تجولك فى منطقة إيكو بارك أفينيو بمدينة لوس أنجلوس سوف تجد علي طول حافة مدرسة إليسيان هايتس الإبتدائية جدارية رمزية منقوش عليها كلمات نعي و حب و إذا دققت بها أكثر سوف تجد أنها ليست موجهة لإنسان و لكن لقطة منزلية قصيرة الشعر أطلق عليها إسم الغرفة رقم 8 و التي عاشت في المدرسة خلال فترة الستينيات من القرن الماضي و كانت محبوبة من الجميع طلاب و مدرسين و الغريب فى الأمر أنها كانت لا تظهر سوي خلال فترة العام الدراسي و حين ينتهي تختفي تماما و لا أحد يعرف إلي أين توجهت و مع عودة الدراسة مجددا تبدء في الظهور كما و لو كانت أحد الطلاب و مع مرور الوقت و نتيجة تواجدها في المدرسة كان لها دور كبير في تطويرها و المساهمة فى تعليم تلاميذها .

بدأت قصة الغرفة رقم 8 في أحد الأيام الدراسية عام 1952 حين ظهرت قطة ذات شعر قصير و مخطط باللون الرمادي و تتميز بكبر حجمها رغم نحافته و هي تتجول في المدرسة ثم دخلت إلي فصل دراسي مخصص لطلاب الصف السادس و سارت على مكاتبهم بطريقة ودية و من جانبهم رحب التلاميذ بها أما بالنسبة إلي المعلمة فلم تكن متأكدة تمامًا من السماح لها بالتواجد و لكن عندما أشار الأطفال إلى نحافته الشديدة وافقت على إعطائه بعض من الحليب ثم بعد أن خرج الأطفال من الفصل لقضاء فسحة من الوقت عادوا ليجدوا القطة نائمة على مكتب واحد منهم بعد أن فتحت بعض من صناديق غذاء الأطفال و تناثرت المحتويات من حولها و في وقت لاحق من ذلك اليوم تبعتهم إلي قاعة الغداء حيث تقاسموا معها بعض من طعامهم و بعد غفوة أخرى نهض و غادر من البوابة حيث لم يكونوا يتوقعون رؤيته مرة أخرى .

و في صباح اليوم التالي عاد القط مجددا وراء الأطفال إلى حجرة الدراسة و للتغلب على مخاوف المعلمة قام الأطفال بتبنيه و نظرا لعدم وجود إسم لهم ينادوه به أقترح أحدهم بأن يحمل لقب ” الغرفة رقم 8 ” نسبة إلي رقم الفصل الموجود فيه و مع تكرار ذلك الروتين بشكل يومي أصبحت القطة في نهاية المطاف التميمة الرسمية للمدرسة و كان عادة ما يتم العثور عليه و هو يقوم بدوريات في الممرات أو ينام على أحد المكاتب و غالبًا ما كان يذهب لتناول الغذاء مع الأطفال و على الرغم من أنه لم يكن من المفترض أن يطعموه بأنفسهم إلا أنهم فعلوا ذلك و مع مرور الوقت أزداد وزنه و أصبح ممتلئ تمامًا و في وقت لاحق تم تعيين تلميذ من الصف السادس ليقوم بدور “مُطعم القطة” و هي عادة أصبحت تتخذ كل عام حيث كان ذلك يعتبر أهم منصب للطلاب في المدرسة لأنه كان يتم الإطعام الرسمي لقطة الغرفة رقم 8 في المكان المخصص للمعلمين لذلك حظي مطعم القطة بإمتياز لدخول هذا الحرم كما كان للمدرسة أيضًا قاعدة صارمة و هي : “لا تزعج القطة” كما أنه إذا تدخل كثيرًا في أنشطة الفصل الدراسي فيتم نقله برفق إلي مكان أخر .

قطة الغرفة رقم 8

و رغم إرتباط التلاميذ و المدرسين بقطة الغرفة رقم 8 إلا أنه لا أحد يعرف إلي أين كانت تذهب ليلاً أو أثناء العطلات المدرسية لكن يُعتقد أنه ربما كان ينام في التلال القريبة و كشف مدير المدرسة في ذلك الوقت و الذي كان صديقًا للقطة و مؤيدًا لوجودها و شارك لاحقًا في تأليف كتاب عنها أنه ولد عام 1947 و هذا معناه أنه كان فى الخامسة من العمر عندما جاء لأول مرة إلى المدرسة و أنه كان حيوانًا يعيش في الحي و تعرض لسوء المعاملة في منزله السابق لذلك كان سعيد الحظ أن يكون منزله الثاني هو تلك المدرسة و أن أكثر الأمور التي كانت ملفتة حوله هو أنه يعود كل شهر سبتمبر من كل عام و هو الموعد المحدد لبداية العام الدراسي الجديد و أضاف أن قطة الغرفة رقم 8 كانت بالنسبة للتلاميذ جزء طبيعي من الحياة المدرسية .

و مع إزدياد شهرة قطة الغرفة رقم 8 بدأت وسائل الإعلام المحلية فى تسليط الضوء عليه حيث بدء يشارك في عروض القطط المحلية و المجموعات المجتمعية كما كان عضوًا فخريًا في العديد من المنظمات و في أواخر عام 1962 نشرت مجلة “لوك” تحقيقا مكون من ثلاث صفحات للحديث عنه و نُشر كتاب عن سيرته الذاتية عام 1966 و صدرت عنه 6 طبعات كما كان هناك مقال عنه في العام التالي في مطبوعة وطنية لتلاميذ المدارس الابتدائية و في عام 1968 أي قبل وفاته بوقت قصير ظهر في جزء من فيلم وثائقي تلفزيوني و في ذروة شهرته تلقى قطة الغرفة رقم 8 الكثير من رسائل المعجبين بمعدل يقترب من 100 رسالة يوميا و بلغ مجموعها ما يقرب من 10000 رسالة واردة من جميع الولايات الأمريكية و عدة دول أجنبية و أحتوي بعضها علي تبرعات نقدية كان يتم إستخدامها فى شراء كتب لمكتبة المدرسة ما يعد مساهمة منه فى تطويرها كما أصبح تلاميذ الصف الخامس و السادس يعملون كطاقم سكرتارية للقط و يجيبون على كل رسالة تصلهم بالبريد و يوقعونها بختم مطاطي و هو ما ساهم أيضا في تنمية قدراتهم في الكتابة و تعلم فنون الرد و فهم قيمة العمل كما ذهب جزء كبير من أرباح نشر الكتاب الخاص به لتغطية تكاليف البريد حيث لم يكن البريد الإلكتروني متاح في الستينيات.

قطة الغرفة رقم 8

و مع تقدم قطة الغرفة رقم 8 فى العمر بدأت تظهر لديه بعض من المشكلات الصحية و أصبح يقوم بزيارة سنوية للطبيب البيطري و بدأ يفقد أسنانه ثم أصيب في شجار قطط أواخر عام 1963 و لكن كان أخطر ما تعرض له هو إصابته بالتهاب رئوي كاد أن يقضي عليه لكنه عولج بنجاح في مستشفى لوكهارت للحيوانات في “هوليوود” و تعافى في النهاية و مع زيادة تقدمه في السن بدأ يقبل كرم الضيافة من الأصدقاء و الجيران بالقرب من المدرسة في الليل و عندما لا تكون المدرسة منعقدة حيث وفرت له عائلة “ناكانو” على وجه الخصوص المأوى و قامت بالإعتناء به كما كان يتم حمله عبر الشارع للتأكد من أنه عبره بأمان و وصل إلى منزله و في بعض الأحيان كان يختفي و يتم البحث عنه ليلا إلي أن يتم العثور عليه و عادة ما كان يزور أحد الجيران أو يغفو في حديقة شخص ما و أحب إهتمام الناس به بشكل متزايد مع تقدمه في السن إلى أن توفي في 13 أغسطس عام 1968 بفشل كلوي كما يحدث في كثير من الأحيان مع القطط الأكبر سنًا و كان يبلغ من العمر حينها 21 عامًا .

و عقب وفاة قطة الغرفة رقم 8 تم تداول الخبر في عدد من الصحف و المجلات ففي صحيفة لوس أنجلوس تايمز تصدرت صورته مع وجود نعي له علي ثلاثة أعمدة و هذا أمر يعد نادرًا جدًا إضافة إلي نشر الخبر أيضا في مجلة “كريستيان ساينس مونيتور” و تم دفنه في حديقة لوس أنجلوس للحيوانات الأليفة التذكارية بكالاباساس في وجود عدد قليل من الناس حيث كانت المدرسة في فترة الإجازة الصيفية بذلك الوقت و وضعت عائلة “ناكانو” إكليلًا من الورود و القرنفل على قبره و قالوا إنه كان يحب شم الزهور في حديقتهم و كانت تلك هي المفضلة لديه و في وقت لاحق أقيم نصب تذكاري رائع في ذلك الموقع و يمكن رؤيته حتى يومنا هذا .

مقبرة قطة الغرفة رقم 8
مقبرة قطة الغرفة رقم 8

أقرأ أيضا : تعرف على القط أوسكار الذى يتنبأ بإقتراب وفاة الأفراد

و بعد وفاة قطة الغرفة رقم 8 تم إنشاء صندوق خيري بإسمه للتبرع لمستشفى العظام حيث قدم أطفال من المدرسة التبرعات الأولى و على الرغم من أن القط لم يعد موجودًا إلا أن الصندوق تمكن من جلب 10000 دولار أمريكي و هو مبلغ كبير في ذلك الوقت كما أقيمت مؤسسة خيرية أخري تحمل أسمه عام 1972 كملجأ للقطط و الحيوانات المشردة و كانت هناك حملة و إلتماسات بدأت في عام 1969 لتكريم قطة الغرفة رقم 8 على طابع بريدي من قبل خدمة البريد الأمريكية لكن الهدف لم يتحقق على الرغم من أنه ظهر على طابع خاص في السبعينيات و بعد مرور أكثر من خمسين عامًا لا تزال مدرسة “إليسيان هايتس” تتذكر قطة الغرفة رقم 8 و تحتفظ بعدة تذكارات منه مثل لوحة معلقة في مكتبة المدرسة و لوحتان في القاعة بجوار نسخة أكبر من ميداليته التذكارية و بشكل سنوي يحصل تلاميذ الصفين الأول و الثاني على كتاب يتحدث عن قطة المدرسة السابقة حيث يقرأه معلميهم لهم للتأكيد علي أن تلك المدرسة لم تنسي قط قطها المميز .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *