محطة الفضاء الدولية ISS

محطة الفضاء الدولية هى كيان فضائي يحتوى على أعظم ما أنتجته العقول البشرية فى عالم الفضاء و الهندسة و نتاج تعاون خمس وكالات فضائية أبرزها ناسا الأمريكية و روسكوزموس الروسية و تم تجميعها في مدار أرضي منخفض لتحلق على ارتفاع أكثر من 400 كيلومتر عن سطح كوكب الأرض و تتحرك بسرعة 28 ألف كيلومتر فى الساعة و هى تملك و تدار بموجب المعاهدات و الاتفاقيات الحكومية الدولية و تعمل محطة الفضاء الدولية كمختبر لأبحاث الفضاء و دراسات علم الأحياء الفلكية و الأرصاد الجوية و الفيزياء و مجالات أخرى تتعلق بمحاولة فهم أفضل لكيفية عمل الكون بدءًا من الجسيمات عالية الطاقة التي تنتشر عبر المجموعة الشمسية إلى الأجرام البعيدة الموجودة فى مجرتنا أو أماكن أخرى و ينظر إليها مستقبلا على أن تكون مكان مناسب لاختبار أنظمة المركبات الفضائية و المعدات اللازمة للبعثات طويلة الأمد الخاصة بإستعمار سطح القمر و كوكب المريخ .

تاريخ محطة الفضاء الدولية و تصميمها

يرجع تاريخ محطة الفضاء الدولية الى منتصف الثمانينيات حين وجه الرئيس الامريكى “رونالد ريجان” وكالة “ناسا” لبناء محطة فضاء دولية في غضون عقد من الزمن على غرار محطة “مير” الروسية معلناً أنها سوف تسمح بحدوث قفزات نوعية في البحث العلمي ثم حدثت بعض من التعديلات و أعيد تصميمها مجددا في التسعينيات لخفض التكاليف و توسيع المشاركة الدولية حيث دخلت “الولايات المتحدة” في شراكة مع “أوروبا” و “اليابان” و “كندا” ثم دعت “روسيا” للانضمام إلى المشروع عام 1993 لأن تلك الدولة كانت تتمتع بأكبر خبرة في تشغيل المحطات الفضائية المدارية و بحلول عام 1998 كانت جميع وكالات الفضاء الخمس مشتركة في المشروع و هى ناسا (الولايات المتحدة) و روسكوزموس (روسيا) و جاكسا (اليابان) و وكالة الفضاء الأوروبية و وكالة الفضاء الكندية .

و تم تصميم محطة الفضاء الدولية على أساس سلسلة من الوحدات الأسطوانية المتصلة التي تعمل بالطاقة الشمسية و قسمت الى جزأين أساسيين يحتلان أكبر حيز منها و هم الجزء المداري الروسي الذي تديره “روسيا” و الجزء الأمريكي الذي يتضمن مساهمات من ” الولايات المتحدة ” و باقى البلدان و بدأ البناء في نوفمبر عام 1998 و تم تسليم الجزء الأول من هيكل محطة الفضاء الدولية و هو وحدة التحكم الروسية ” زاريا ” بشكل مستقل إلى المدار بواسطة صاروخ “بروتون” و هى المسئولة عن توفير وظائف الطاقة و الاتصالات و التحكم في الارتفاع و تستخدم الآن بشكل أساسي للتخزين و الدفع و بعد مرور أسبوعين قام رواد فضاء على متن مكوك الفضاء “إنديفور” بتسليم أحد المكونات الرئيسية الخاصة بالولايات المتحدة إلى الوحدة و المسئولة عن ربط الأجزاء الروسية و الأمريكية معا فى المحطة ثم توالى وصول باقى القطع و تركيبها تباعا و وصل أول طاقم يسكن بها في 2 نوفمبر عام 2000 و شمل رواد الفضاء الروس “يوري جيدزينكو و سيرجي كريكاليف” بصحبة رائد الفضاء الأمريكى “بيل شيبرد” و وصلوا إليها على متن مركبة الفضاء الروسية ” سويوز ” .

مكونات محطة الفضاء الدولية
تصميم محطة الفضاء الدولية

و تركزت الكثير من الأعمال البحثية المبكرة التي قام بها رواد فضاء محطة الفضاء الدولية على أبحاث علوم الحياة و علوم المواد في بيئة انعدام الجاذبية و كان الامر مشجعا نحو المزيد من الأبحاث و لكن بعد تحطم مكوك الفضاء “كولومبيا” عام 2003 تم إيقاف برامج المكوك الفضائي مما أوقف فعليًا فكرة توسيع المحطة و على العكس تم تخفيض الطاقم من ثلاثة إلى اثنين و كان دورهم مقصورًا بشكل أساسي على حالة القائم بأعمال المحطة مما حد من مقدار العلم الذي يمكن التحصل عليه من خلال الأبحاث التى كان مرجو القيام بها و أزداد الأمر سوء بعد عودة الرواد منها الى الأرض في مركبة الفضاء سويوز و تمت إدارة المحطة بشكل ألى .

و بحلول عام 2006 عادت رحلات المكوك مجددا و زاد حجم طاقم محطة الفضاء الدولية إلى ثلاثة و استؤنف البناء في سبتمبر من ذلك العام و إضافة زوج من الأجنحة الشمسية و مبرد حراري و فى عام 2007 تم ربط الوحدة ” ديستنى ” بالوحدة ” هارمونى ” التى تملك ميناء لرسو مكوك الفضاء مع منافذ ترتبط بمختبر ياباني “كيبو” المزود بشرفة خارجية تُستخدم لإجراء التجارب في فراغ الفضاء و مختبر أوروبي أخر و هو “كولومبوس” الذى تم تركيبه عام 2008 و يعد أول مختبر فضاء أوروبى يقوم بإجراء تجارب في مجالات مثل علم الأحياء و ديناميكيات السوائل و فى نفس العام أطلقت نسخة محسّنة من صاروخ ” أريان 5 ” أثقل مركبة فضائية في أوروبا و هي مركبة النقل الآلية ” جول فيرن ” التي حملت 7،700 كجم من الإمدادات إلى محطة الفضاء الدولية كما أحضر رواد فضاء الروبوتين الكنديين “ديكستر” و ” كندا أرم 2″ المتطورين للغاية لدرجة أنهما قادرين على أداء المهام التي كانت تتطلب في السابق من الرواد القيام بجولات في الفضاء و هى روافع فضائية كبيرة يتم التحكم فيها عن بُعد تستخدم للقيام بمجموعة من المهام من نقل المعدات إلى التقاط المركبات الفضائية القادمة .

محطة الفضاء الدولية

و فى عام 2009 أصبحت محطة الفضاء الدولية تعمل بكامل طاقتها عندما بدأت في استضافة طاقم مكون من ستة أفراد و قد تطلب ذلك إرساء زورقي نجاة من طراز “سويوز” في جميع الأوقات بإعتبارهم مثل قوارب النجاة و أصبح يتكون الطاقم عادة من ثلاثة روس و أمريكيين و رائد فضاء واحد من “اليابان” أو “كندا” أو تابع لوكالة الفضاء الأوروبية .

و تمتد المحطة اليوم على مساحة ملعب كرة قدم أمريكي و لا يزال البناء فيها جاريًا حتى اللحظة و يوفر كلا القسمين الأمريكي و الروسي من محطة الفضاء الدولية الطاقة و المختبرات المضيفة و أماكن المعيشة و موانئ الإرساء و يمكن لرواد الفضاء التنقل بين الأجزاء المرتبطة بحرية و في عام 2016 ألحقت وكالة ناسا مكانا قابلًا للتوسع و هى وحدة النشاط القابلة للتوسيع و التى ربما تمهد الطريق لفنادق الفضاء في المستقبل و مؤخرا و فى عام 2021 تمت إضافة وحدة العلوم الروسية ” نايوكا ” إلى المحطة .

أهميتها

كل شئ حى على الأرض تطور لينمو في بيئته المنزلية و ليس في محيط الفضاء الخارجي الذي يمكن أن يتحدى كل أشكال الحياة لذلك تعد محطة الفضاء الدولية إلى حد كبير أنسب مكان للحياة و فى نفس الوقت العمل في هذه الظروف الغير مألوفة بالإضافة الى أنها موقع فريد لمحاولة فهم أفضل لكيفية تأثير الفضاء على بيولوجيتنا المعقدة و الأهم من ذلك أن البقاء في الفضاء يعني التعامل مع الغياب شبه التام للجاذبية و أيضا زيادة التعرض للإشعاع من دون وقاية من الغلاف الجوى و هما عاملان رئيسيان يمكن أن يؤثران بشكل كبير على الوظائف البيولوجية للكائنات الحية و التى يجب دراسة أبعادها و هو ما توفره تلك المحطة .

مختبر داخل محطة الفضاء الدولية
مختبر داخل محطة الفضاء الدولية

و فى داخل محطة الفضاء الدولية يقوم الطاقم العامل بمجموعة كاملة من التجارب العلمية المصممة لمساعدة البشر على معرفة كيفية العيش في الفضاء بشكل دائم و تشمل مراقبة نمو النباتات و الأنسجة البشرية في وسط تنعدم فيه الجاذبية و متابعة كيفية استجابة الميكروبات لبيئة الفضاء و دراسة تأثيره على الحمض النووي و الجينات و معرفة عما إذا كان التكاثر الطبيعي ممكنًا فى تلك الأجواء , و رغم أن الجزء الأكبر من تلك الأبحاث يتم إجراؤها داخل المحطة لمعرفة المزيد عن طبيعة الحياة في الفضاء إلا أنه تجرى تجارب أخرى خارجها تتعلق بمراقبة الكون و معرفة المزيد عن عن البيئة التي قد يعيش فيها البشر الذين سيرتادون الفضاء و ذلك من خلال أدوات أبرزها الـ NICER المعنية بدراسة النجوم النيوترونية و هي أكثر الأجرام النجمية كثافة في الكون اضافة الى مطياف ألفا المغناطيسي الذى يقوم بإلتقاط الأشعة الكونية و تحليلها بغرض معرفة المزيد عن أصول الكون .

و بجانب الأبحاث السابقة يتم الإهتمام بدراسة معيشة رواد الفضاء داخل محطة الفضاء الدولية من خلال التحديات النفسية التى يمرون بها و المرتبطة بعزلتهم فى ذلك المكان و التى ستفيد العلماء فى محاولة الوصول الى أفضل الطرق للتعايش مع الرحلات الفضائية المستقبلية التى ستستغرق فترات أطول حيث تشير الإحصائيات الى أنه منذ إنشاء محطة الفضاء الدولية زارها أكثر من 200 رائد فضاء يتبعون 20 دولة مختلفة و خلال السنوات الأخيرة كان يمضى رواد الفضاء عادةً ما بين ثلاثة و ستة أشهر لكن أطول فترة إقامة داخلها استمرت قرابة عام كامل و هو إنجاز حقق في عام 2016 بواسطة رائد فضاء ناسا “سكوت كيلي” و زميله الروسي “ميخائيل كورنينكو” ثم تم تحطيم ذلك الرقم عام 2021 على يد رائد الفضاء الروسي “بيوتر دوبروف” و الأمريكي “مارك فاندي هاي” بعد بقائهم داخل المحطة لمدة 355 يومًا .

العيش داخل المحطة

يجب أن تتكيف أطقم العمل من رواد فضاء على التأقلم فى مكان تشرق فيه الشمس و تغرب 16 مرة في اليوم كما يتطلب من أجل الحصول على نوم جيد ليلاً تأمين أنفسهم بجسم ثابت و غير طافى نتيجة إنعدام الجاذبية و تعتبر التمارين اليومية المكثفة ضرورية للحفاظ على صحة العظام و مكافحة الضمور العضلي الناجم عن عدم وجود الجاذبية و يتعين على رواد الفضاء التعامل مع مجموعة متنوعة من الظروف التي تنشأ عندما لا يكون هناك حرفياً صعودًا أو هبوطًا بل طفو مثل مشاكل في التوازن و التوجيه و تغيرات في الدورة الدموية و توزيع السوائل مع تدهور غريب و غير مبرر في الغالب في البصر كما أنه نظرا لإحتواء الفضاء على كميات من الأشعة الضارة التى عند التعرض لها لفترات طويلة قد يؤدى الى الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان تقوم الفرق الموجودة على الأرض حاليًا بتصميم بدلات فضائية لحماية مسافري الفضاء لفترات طويلة من الجسيمات الكونية المدمرة و المحتملة .

تمارين رياضية يقوم بها رواد الفضاء
تمارين رياضية يقوم بها رواد الفضاء داخل محطة الفضاء الدولية

الوصول من و إلى محطة الفضاء الدولية

حتى عام 2011 كان يتم نقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية بواسطة مكوكات الفضاء الأمريكية و مركبة الفضاء الروسية “سويوز” و بعد إنهاء “الولايات المتحدة” برنامج مكوك الفضاء أصبحت “سويوز” هي الوسيلة الوحيدة فى التنقل من و إلى المدار حتى نجحت شركة “سبيس إكس” الخاصة في إرسال مهمة مأهولة إليها في مايو عام 2020 ثم عادت و على متنها رواد الفضاء الأمريكيين “دوج هيرلي و بوب بهنكن ” في أوائل أغسطس و انتهت برحلة جوية آمنة و ناجحة قبالة الساحل الغربي لفلوريدا و الآن يمكن لرواد الفضاء الانطلاق مرة أخرى إلى المدار من شواطئ “الولايات المتحدة ” و نظرا لاعتماد “ناسا” حاليا على الشركات الخاصة فيمكن من الناحية النظرية تعزيز المنافسة التي قد تؤدي إلى خفض الأسعار و فتح السفر إلى محطة الفضاء الدولية أمام شريحة أوسع من البشرية .

و في الوقت الحالي توجد خطط تشغيلية للمحطة حتى عام 2024 على الأقل و من المرجح إمكانية تمديد هذا الجدول الزمني .

معلومات سريعة عن محطة الفضاء الدولية

معلومات سريعة عن محطة الفضاء الدولية
  • رائدة الفضاء الأمريكية ” كريستينا كوخ ” هى صاحبة الرقم القياسى لسيدة تقيم داخل محطة الفضاء الدولية بعد أن قضت 328 يوما .
  • لم تقرر “الولايات المتحدة” و وكالة الفضاء الأوروبية و اليابان و كندا بشكل قاطع موعد انتهاء برنامج العمل فى تلك المحطة و لكن في عام 2021 أشارت إدارة الرئيس الأمريكى “جو بايدن” إلى أن المحطة ستتلقى دعمًا أمريكيًا حتى عام 2030 بينما أعلنت “روسيا” أنها ستنسحب من المشروع عام 2024 و بدء العمل في محطة الفضاء المدارية الخاصة به.
  • تدور المحطة حول الأرض دورة كاملة كل 90 دقيقة و في غضون 24 ساعة تقوم المحطة الفضائية بعمل 16 دورة حول الأرض و تشهد 16 شروقًا و غروبًا.
  • تمتلك المحطة ما يعادل فدان من الألواح الشمسية و يعني ذلك أنه يمكنك أحيانًا البحث في السماء عند الفجر أو الغسق و رؤيتها تحلق فوق منزلك حتى لو كنت تعيش في مدينة كبيرة .
  • يقوم من على متن محطة الفضاء الدولية بالسير في الفضاء بانتظام لبناء المحطة و صيانتها و تحديثها .
  • يبلغ طول الألواح الشمسية بها 109 مترًا و هى بذلك تعتبر أطول من أكبر طائرة ركاب في العالم إيرباص A380 و التى يصل طول جناحيها الى 80 مترًا .
  • يبلغ طول الأسلاك المستخدمة فى تغذية الطاقة داخل المحطة 13 كيلومتر .
  • يمكن توصيل ثماني سفن فضائية بالمحطة الفضائية في وقت واحد.
  • يمكن أن تصل المركبة الفضائية إلى المحطة الفضائية في أقرب وقت بعد أربع ساعات من إطلاقها من الأرض.
  • يأخذ المسار المداري الذى تتخذه محطة الفضاء الدولية أكثر من 90 في المائة من الأرض حيث يلتقط رواد الفضاء ملايين الصور للكوكب .
  • تقطع المحطة الفضائية يوميا مسافة مساوية للقمر .
شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *