أحداث أولمبياد ميونيخ

أحداث أولمبياد ميونيخ هو هجوم قام بتنفيذه أعضاء تابعين لجماعة أيلول الأسود الفلسطينية الذين تسللوا الى القرية الأوليمبية و قاموا بقتل و احتجاز أعضاء من البعثة الأوليمبية الإسرائيلية و أتخاذهم رهائن خلال فعاليات دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية عام 1972 التى كانت تنظم فى مدينة ميونيخ كأول عودة لبطولة لألعاب الأولمبية إلى ألمانيا منذ الدورة التى أقيمت عام 1936 في برلين و فيها أستخدم أدولف هتلر تلك الألعاب كمنصة لنشر الأيديولوجية النازية التى أدت فى نهاية المطاف الى نشوب الحرب العالمية الثانية و احتواء ألعابها على عنصرية صارخة لذلك كان يقع على عاتق الألمان فى تلك الدورة تقديم صورة أفضل اليهم للعالم أجمع تناقض ما سبق الا أنه نتيجة تلك الأحداث و التعامل الألمانى المرتبك معها فقد أسفرت عن مقتل 11 فرد من الوفد الإسرائيلي بالاضافة الى شرطى ألمانى و خمسة من الخاطفين و القاء القبض على ثلاثة منهم و تعرضت حكومة ألمانيا الغربية لانتقادات عالمية لسوء التخطيط و التنفيذ خلال محاولة الإنقاذ و تعاملها الشامل مع الحادث .

خلال الترتيب لإقامة تلك الدورة كان يلوح في الأفق و فى أذهان منظميها شبح الأولمبياد السابقة التى نظمت بمدينة “مكسيكو سيتي” فى “المكسيك” عام 1968 فقبل عشرة أيام من افتتاح تلك البطولة حدثت مأساة كبيرة بعد أن قُتل مئات الطلاب في ساحة “تلاتيلولكو” في “مكسيكو سيتي” برصاص القوات الحكومية و القى ذلك الحادث بظلاله على البطولة لذلك قررت السلطات الألمانية أن لا يحدث ذلك الأمر على أراضيها و قامت بترشيد النفقات الأمنية للحفاظ على نجاح تلك البطولة لذلك كان أفراد الأمن غير مسلحين و غير ظاهرين و بدأت فعاليات الأولمبياد في 26 من أغسطس عام 1972 و احتفل الآلاف من الرياضيين القادمين من أكثر من 120 دولة بالحفل الافتتاحى .

المبنى الذى كان يتواجد فيه اعضاء البعثة الاسرائيلية فى القرية الأوليمبية

و لأكثر من أسبوع سارت البطولة على ما يرام دون وقوع حوادث الا أن أحداث أولمبياد ميونيخ بدأت في تمام الساعة 4:30 من صباح يوم 5 سبتمبر حين قام ثمانية مسلحين فلسطينيين ينتمون إلى منظمة أيلول الأسود و هو فرع متشدد من حركة “فتح” الفلسطينية بتسلق السياج المحيط بالقرية الأولمبية متنكرين في زي رياضيين و باستخدام مفاتيح مسروقة شقوا طريقهم إلى مقر بعثة الفريق الأوليمبي الإسرائيلي و أثناء محاولتهم دخول الغرفة رقم 1 واجههم “يوسف جوتفروند” حكم المصارعة و “موشيه واينبرج” مدرب المصارعة و تم إطلاق النار على “واينبرج” أثناء قتاله معهم و أصيب و بعدها أجبروه تحت تهديد السلاح على قيادتهم إلى غرف المدربين و الرياضيين الإسرائيليين المتبقين و تم اقتراح أن يقودهم “واينبرج” إلى الغرف التالية التي كان يستخدمها أيضًا الفريق الإسرائيلي مع استثناء الأماكن التى يوجد فيها المصارعين و رافعي الأثقال في الشقة رقم 3 لأنهم سيكونون أكثر قدرة على القتال و لكن يقول “شاؤول لاداني” أحد أفراد البعثة الذي نجا من الهجوم بعد هروبه من الشقة 2 إلى أنه من المرجح أنه تم تجاوز غرفته أيضا لأنه كان يسكن مع أعضاء من فريق الرماية الإسرائيلي حيث قام المهاجمين بإخضاع كل الرجال الموجودين في الشقة رقم 1 و كان من غير المحتمل لديهم أن يكونوا قد رغبوا في خوض معركة نارية عن قرب مع رماة عالميين في الدقائق الأولى من عمليتهم .

و بعد الانتهاء من الغرفة رقم 1 بادر المهاجمين بالدخول الى الغرفة رقم 3 و جمعوا المزيد من الرهائن و أجبروهم على العودة إلى الشقة رقم 1 و خلال ذلك أستطاع المصارع “جاد تساباري” الفرار من المجموعة و انطلق عبر الدرج باتجاه مرآب للسيارات كما استغل “واينبرج” الفوضى و حاول قتال المهاجمين مرة أخرى حتى أنه كاد أن يسيطر على مسدس واحد منهم الا انه تم اطلاق النار عليه و قتله كما حاول رافع الأثقال “يوسف رومانو” المقاومة و محاولة نزع سلاح أحد الإرهابيين الا أنه قتل هو الأخر و تركت جثته فى الغرفة رقم 1 كتحذير للباقيين عن أى محاولة أخرى للمقاومة و الذين كانوا تسعة أفراد محتجزين كرهائن و أرسل المهاجمين مطالبهم التى تمثلت فى إطلاق سراح أكثر من 200 فلسطيني معتقلين في السجون الإسرائيلية و إطلاق سراح الألمانيين “أندرياس بادر” و ” أولريك ماينهوف ” من فصيل الجيش الأحمر فى السجون الألمانية و توفير طائرة لنقلهم إلى وجهة آمنة في الشرق الأوسط و بينما كانت المفاوضات جارية كان من الضرورى إلغاء محاولة الإنقاذ التى كان مخطط لها عندما تم إدراك أن تصرفات شرطة “ألمانيا الغربية” يتم بثها على الهواء مباشرة إلى ما يقرب من مليار شخص حول العالم و إلى العديد من أجهزة التلفزيون في جميع أنحاء القرية الأولمبية و في حوالي الساعة 10:00 مساءً و اعتقادًا منهم بأنهم توصلوا إلى اتفاق اقتاد المهاجمين رهائنهم المقيدين و هم معصوبي الأعين من أماكنهم إلى حافلات نقلتهم إلى مروحيات كانت تنتظرهم .

رجال الشرطة الألمانية خلال محاصرة المبنى المتواجد فيه الرهائن

و بدأت أحداث أولمبياد ميونخ تزداد سخونة بعد أن نقلتهم طائرات الهليكوبتر إلى قاعدة “فورستنفيلدبروك” الجوية ، على بعد 25 كم غرب القرية الأولمبية حيث كانت الشرطة الألمانية تجهز كمين لهم و على الرغم من أن الجيش الألماني كان لديه تدريب و معدات أفضل لمثل هذه المهمة الا انه بموجب دستور ما بعد الحرب في “ألمانيا الغربية” فقد مُنعت القوات المسلحة من مساعدة الشرطة المدنية و كان هذا الأمر كارثى لأن قناصة الشرطة الذين شاركوا في العملية لم يتلقوا تدريبًا رسميًا كقناصة و تم وضعهم بشكل غير لائق و غير كافٍ في العدد و كانوا يفتقرون إلى أجهزة اللاسلكى للتواصل مع بعضهم البعض أو مع القادة بالإضافة إلى ذلك كانوا مسلحين ببنادق هجومية بدلاً من بنادق قنص و لم يكن لأسلحتهم مناظير بعيدة المدى و لا قدرة للرؤية الليلية أما على مدرج القاعدة الجوية فقد كانت طائرة من طراز بوينج 727 مليئة بـ 17 ضابط شرطة متنكرين في زي طاقم طيران “لوفتهانزا” حيث كانت النية أن يقوم هؤلاء الضباط بإخضاع المهاجمين بمجرد صعودهم إلى الطائرة لكن الشرطة اختارت بالإجماع التخلي عن تلك الخطة و وضع خطة اخرى من خلال إرسال سيارات مصفحة كان من المفترض أن تساعد في إنقاذ الإسرائيليين الا أنها كانت خطة فاشلة بعد أن أصبحت تلك السيارات عالقة في حركة المرور و نتيجة تلك الاعداد التى لا تحصى من الإخفاقات في كل من التخطيط و التنفيذ كان من الطبيعى أن تكون النتيجة كارثية على كل المستويات تقريبًا .

و وصلت المروحيات الى القاعدة حوالي الساعة 10:30 مساءً و توجه اثنان من الخاطفين لتفتيش الطائرة و عندما وجدوها فارغة أدركوا الخدعة و صاحوا في رفاقهم لتنبيههم و عند هذه النقطة أطلقت شرطة “ألمانيا الغربية” النار عليهم و اندلعت معركة بالأسلحة النارية أسفرت عن مقتل خمسة من الخاطفين و ضابط شرطة و ركضت أطقم طائرات الهليكوبتر بحثًا عن مخبأ بعكس الرياضيين الإسرائيليين الذين كانوا مقيدين داخلها و محاصرين و لا يستطيعون الفرار ثم هدأ المشهد قليلا و دخل في حالة من الجمود تخلله إطلاق نار متقطع و بدأ التجمهر حول المطار لمعرفة أخر الاخبار و قدم المذيع الرياضي الأمريكى “جيم مكاي” الذي كان يقوم بتغطية الأولمبياد لشبكة ABC الأمريكية للمشاهدين تحديثات أولية و في منتصف الليل أعلن مسؤول ألماني أنه تم إطلاق سراح جميع الرهائن و قتل جميع الخاطفين الا أنه كان تصريح ثبت أنه سابق لأوانه و بشكل مأساوي فبعد منتصف الليل بقليل ألقى أحد الخاطفين قنبلة يدوية على إحدى المروحيات مما أسفر عن مقتل جميع الرهائن الإسرائيليين الذين كانوا على متنها باستثناء شخص واحد و الذى استسلم لاستنشاق الدخان قبل أن يتمكن رجال الإنقاذ من الوصول إليه كما قام خاطف أخر بإطلاق النار داخل المروحية الأخرى من مسافة قريبة مما أدى إلى مقتل الإسرائيليين الخمسة المتبقين .

و انتهت أحداث أولمبياد ميونيخ بنهاية درامية بعد مقتل جميع الرهائن حيث وصلت السيارات المدرعة أخيرًا إلى المدرج و لكن بعد فوات الأوان حتى أن أطقمها لم تكن على علم بوجود أفراد من الشرطة في الميدان و لا توجد وسيلة للتواصل معهم و خلال تلك الأثناء ركض أحد الخاطفين نحو موقع اختبأ فيه أحد طياري المروحية و قناص من الشرطة الا أنه قُتل برصاص القناص لكن الحركة على المدرج المظلم دفعت احدى العربات المدرعة الى اطلاق النار ليصاب الطيار و القناص بجروح خطيرة من نيران صديقة و بحلول الساعة 12:30 صباح يوم 6 سبتمبر توقف إطلاق النار و انتهت أحداث أولمبياد ميونخ الكارثية و التى أستمرت لنحو 20 ساعة أسفرت عن مقتل 11 إسرائيليًا إلى جانب شرطي من ميونيخ و قتل خمسة من الخاطفين و القاء القبض على ثلاثة منهم و في الساعة 3:00 صباحًا قال المراسل “ماكاي” و الذي كان يبث من القرية الأولمبية لمدة 14 ساعة متتالية النتيجة المأساوية لعملية الإنقاذ الفاشلة بعبارة “لقد ذهبوا جميعًا” و لأول مرة في التاريخ تم تعليق الألعاب الأولمبية لمدة 24 ساعة تكريما للرياضيين المقتولين و أقيم حفل تأبين فى نفس اليوم و أعلن “بروندج” رئيس اللجنة الأوليمبية أن الألعاب ستستمر .

القتلى الإسرائيليين

و بعد أنتهاء أحداث أولمبياد ميونيخ أجرت الحكومة الفيدرالية الألمانية و الحكومة البافارية و شرطة ميونيخ تحقيقا حول ذلك الحادث حيث وجد أن الهجوم كان أمرا لا مفر منه و انتهى بتبرئة المسئولين من الشرطة رغم أن الوقائع كانت تشير الى حدوث تقصير أمنى شديد حيث ظهر أنه في الأشهر التي سبقت انطلاق الألعاب الأولمبية طلبت اللجنة المنظمة لأولمبياد “ميونيخ” من عالم النفس الشرطي “جورج سيبر” وضع عشرات السيناريوهات الأمنية في أسوأ الحالات التى من الممكن ان تواجه تلك البطولة و كان من بين الاحتمالات الـ 26 التي اقترحها “سيبر” حدوث هجمات على الألعاب من قبل الجيش الجمهوري الأيرلندي و فصيل الجيش الأحمر و إيتا و جماعات إرهابية أخرى كما أفترض ” سيبر ” فى الاحتمال رقم 21 أن يتسلق عشرات المسلحين الفلسطينيين سياج القرية الأولمبية و يحتجزون رهائن إسرائيليين و يقتلون واحدًا أو اثنين و يطالبون بالإفراج عن سجناء من السجون الإسرائيلية و طائرة لتحليقهم إلى الشرق الأوسط الا أن اللجنة المنظمة رأت أن الاستعداد لمواجهة تهديدات مثل تلك التي اقترحها “سيبر” ستخلق بيئة أمنية لا تتماشى مع رؤيتهم للألعاب لذلك تم اهمالها و بعد ساعات من أحداث أولمبياد ميونيخ تم فصل “سيبر” من منصبه الاستشاري لإخفاء الأدلة على أخطائهم .

و في يوم 29 أكتوبر أى بعد أقل من شهرين على أحداث أولمبياد ميونيخ خطف عنصران من تنظيم أيلول الأسود طائرة “لوفتهانزا” الألمانية من طراز بوينج 727 كانت في طريقها من “دمشق” إلى “فرانكفورت” و هددا بتفجيرها مع الطاقم و الركاب إذا لم تتم تلبية مطالبهم بالافراج عن المعتقلين الثلاثة الذين تم القاء القبض عليهم أحياء فى أحداث أولمبياد ميونيخ و حطت الطائرة المخطوفة فى “زغرب” (كرواتيا الآن) و أستجابت الحكومة الألمانية لمطالبهم و نُقل المسلحين الثلاثة الذين كانوا ينتظرون المحاكمة فى “ميونيخ” من سجنهم و تم نقلهم إلى “زغرب” في طائرة خاصة حيث تم نقل جميع المسلحين على متن طائرة البوينج التي طارت بعد ذلك إلى “طرابلس” فى “ليبيا” حيث تم إطلاق سراح الركاب و أفراد الطاقم و تم الترحيب بالخاطفين بوصفهم “أبطال عملية ميونيخ” و الغريب أنه لم يتم استشارة “إسرائيل” في أي وقت بشأن التبادل حتى أن سرعة استجابة السلطات الألمانية لتلك المطالب قد أثارت الشكوك حول تواطئهم المحتمل حيث وجد تحقيق أجراه صناع الفيلم الوثائقي الحائز على جائزة الأوسكار ” فى أحد أيام سبتمبر ” و الذى انتج عام (1999) أن الطائرة المخطوفة قد تم اختيارها مسبقًا من قبل مسؤولي “ألمانيا الغربية” و “فتح” و كانت شبه فارغة عندما غادرت “دمشق” و صعد أقل من عشرة ركاب جميعهم رجال خلال توقف مجدول في “بيروت ” حيث كان هناك صفقة سرية بين الطرفين بموجبها يطلق سراح السجناء و فى المقابل تحصل ” ألمانيا الغربية ” على وعد من” فتح” بعدم إجراء أى عمليات لهم على أراضيها .

اما بالنسبة للجانب الإسرائيلي و ردا على أحداث هجمات ميونيخ فقد أجازت رئيسة الوزراء الإسرائيلية “جولدا مائير” بعملية استخبارتية اطلق عليها اسم “غضب الله” وهي حملة انتقامية بغرض اغتيال نشطاء و قيادات من تنظيم أيلول الأسود و بعد سلسلة من العمليات تم تعليقها في يوليو عام 1973 عندما قتلت فرقة الاغتيال بالخطأ رجلاً ليس له علاقة بالأحداث في “النرويج” و في عام 1977 قُبض على “أبو داود” العقل المدبر فى أحداث هجمات ميونيخ في “فرنسا” و طلبت ” ألمانيا الغربية ” تسلمه الا أن طلبها قد رفض لأسباب فنية و أُطلق سراحه و نُقل إلى الجزائر أما بالنسبة للجانب الألماني ففي أعقاب أحداث هجمات ميونيخ قاموا بتشكيل وحدة متخصصة في مكافحة الإرهاب ذات اختصاص وطني و تم تكليف “أولريش فيجنر” بإنشاء وحدة شبه عسكرية من حرس الحدود الفيدرالي و التى أصبحت مجموعة حماية الحدود 9 أو GSG 9 و التى تعتبر حاليا واحدة من أكثر قوى مكافحة الإرهاب فاعلية في العالم .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *