ألدريتش إيمز العميل المزدوج الذي باع أسرار المخابرات الأمريكية إلي الإتحاد السوفيتي

يريد الكثير من الناس الحصول علي المزيد من الأموال و لكن ما هي التنازلات التي قد يقومون بتقديمها للوصول إليها ؟ و هل يصل البعض منهم إلي حد خيانة بلاده و بيع أسرارها ؟ و يأتي الرد من عالم الجاسوسية الذي يقدم قائمة تضم العديد من الأسماء الذين قاموا بخيانة بلادهم و يأتي في مقدمتها الأمريكي ألدريتش إيمز الذي كان عميل داخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA ثم أصبح في منتصف الثمانينيات جاسوسا سوفيتيا نشطا خلال فترة الحرب الباردة و ما بعدها و الذي أستمر فى التعاون مع المخابرات السوفيتية KGB لفترة أمتدت نحو عشرة أعوام قام خلالها بالكشف عن هوية كل العملاء السوفييت المعروفين لديه و الذين يتعاونون مع الولايات المتحدة و هو ما تسبب في إعتقالهم و إعدامهم بتهمة الخيانة العظمي و أدي لخسارة بلاده عدد من العملاء المهمين داخل الإتحاد السوفيتي و كل ذلك لا لشئ سوي من أجل الحصول علي حفنة من الدولارات .

ألدرتش إيمز

ولد ” ألدرتش إيمز” في 26 مايو عام 1941 و يبدو أن عالم المخابرات قد أرتبط به منذ طفولته حيث كان يعمل والده كمحلل في وكالة المخابرات المركزية و غالبًا ما كان لدي أقرانه في المدرسة آباء يعملون أيضا فى نفس الوكالة و بعد فترة وجيزة من تخرجه من المدرسة الثانوية بدأ حياته المهنية في المخابرات الأمريكية كمتدرب صيفي ثم واصل عمله داخلها أثناء إكماله درجة البكالوريوس في جامعة “جورج واشنطن” و في عام 1962 بدأ العمل فيها بشكل رسمي و بدوام كامل و بحلول عام 1969 تم إرسال ” ألدريتش إيمز ” إلى الخارج للعمل بشكل سري في “تركيا” و طوال فترة عمله كان يشيد به رؤسائه علي الرغم من إحتواء ملفه علي بعض من المخالفات مثل خلافات مع سلطات إنفاذ القانون و إدمان الكحوليات و الإهمال لدرجة أنه في إحدي المرات نسي وثيقة سرية داخل مترو أنفاق نيويورك .

و على المستوي الشخصي عانت حياة ” ألدرتش إيمز ” الأسرية بحالة من عدم الإستقرار و ذلك بعد إنفصاله عن زوجته و تراكم ديونه التي وصلت إلي ألاف الدولارات كتسوية مع طليقته ثم أقام علاقة جديدة مع إحدي الفتيات الكولومبيات و تدعي ” ماريا ديل روزاريو ” كان قد تعرف عليها أثناء تكليفه بمهمة في ” المكسيك ” و نظرا لتخطيطه بالزواج منها إزدادت الضغوط المالية لذلك بدء في محاولة البحث عن حلول لتلك المشكلة و تفتق ذهنه لفكرة شيطانية تمثلت في بيع جميع الأسرار التي يمتلكها من خلال عمله داخل المخابرات المركزية إلي “الإتحاد السوفيتي” و في أبريل عام 1985 بادر بالتواصل مع المسئولين السوفييت و قدم لهم عرضا بالكشف عن معلومات سرية مقابل المال و من ناحيتهم وافقوا علي ذلك العرض و دفعوا لـ ” ألدرتش إيمز ” 50 ألف دولار أمريكي .

ألدريتش إيمز العميل المزدوج الذي باع أسرار المخابرات الأمريكية إلي الإتحاد السوفيتي

و بعد تلقي ” ألدرتش إيمز ” للمبلغ مقابل المعلومات بدء في الشعور بخطورة ما فعله لكنه أدرك أنه عبر خطا لا يمكن الرجوع عنه لذلك أستكمل حياته علي تلك الوتيرة كعميل مزدوج و خلال عمله التجسسي قدم بسهولة أسماء كل المسئولين الإستخباراتيين و الظباط العسكريين السوفييت الذين يتعاونون مع ” الولايات المتحدة ” بشكل سري بالإضافة إلى إمداد المخابرات السوفيتية بالعديد من المعلومات التي كانت بحوزته حول عمليات وكالة المخابرات المركزية ضد “الاتحاد السوفيتي” لدرجة أنه في إحدي الإجتماعات التي جمعته مع العملاء السوفيت و التي كانت في العديد من الدول أبرزها “كولومبيا” و “إيطاليا ” حمل معه أكياسًا بلاستيكية مليئة بوثائق سرية و حساسة من داخل وكالة المخابرات المركزية و نظرا لجهوده في الخيانة كان يتم مكافئته بسخاء لدرجة أنه بحلول عام 1989 أفاد مكتب التحقيقات الفيدرالي أن ” ألدريتش إيمز ” كان قد تلقي منهم 1.88 مليون دولار و هو مبلغ ضخم فى تلك الأونة .

و رغم الإحتياطات الأمنية التي كان يتبعها ” ألدريتش أيمز ” خلال خيانته إلا أن المسئولين داخل وكالة المخابرات المركزية بدأوا في الشعور بالقلق بعد أن تم الوصول إلي العديد من عملائهم و إعتقالهم و إعدامهم و هو ما معناه أنه يوجد تسريب للمعلومات ناجم عن إختراق أمني كبير داخل الوكالة و تيقنوا من أنه يوجد شخصًا ما كان يتاجر بتلك المعلومات مع السوفييت لذلك تم تشكيل فريق أمني من المحققين بقيادة “ساندرا جرايمز” و “جين فيرتيفويل” و الذين قضوا سنوات من العمل لتحديد هوية ذلك الجاسوس الذي يسرب أسرار الدولة حيث قالوا لاحقا أن ” ألدريتش إيمز ” كان بالنسبة إليهم بعيدا عن الشبهات حيث بدا لهم و كأنه شارد الذهن طوال الوقت و كان في كثير من الأحيان أشعثًا و غير مهذب و متأخر إلا أنه بدء في لفت إنتباههم عقب عودته من “روما” عام 1989 و ذلك بعد أن ظهر بشكل مختلف و أكثر ثقة في نفسه و هو أمر معاكس لشخصيته المعروفة عنه .

ألدريتش إيمز العميل المزدوج الذي باع أسرار المخابرات الأمريكية إلي الإتحاد السوفيتي
فريق تحقيق المخابرات المركزية الذي أكتشف ألدريش إيمز .. من اليسار: “ساندرا جرايمز” و “بول ريدموند” و “جين فيرتيفوي” و “ديانا ورثين” و “دان باين”

و بعد ذلك بدأ ” ألدرتش إيمز ” في لفت إنتباه فريق المحققين بشكل أكبر بعد أن قام بإصلاح أسنانه و شراء سيارة جاجوار جديدة و إرتداء حذاء إيطالي بقيمة 600 دولار بالإضافة إلي دفعه مبلغ 540 ألف دولار نقدًا مقابل منزل جديد من طابقين و رغم دهشة من حوله حول ذلك التبدل المالي إلا أن مبرره في مصدر تلك الأموال هو أنه حصل عليها من عائلة زوجته الثرية إلا أن ذلك لم يقنع فريق المحققين الذين كان لديهم قائمة تحتوي علي 198 شخصًا لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات التي تم تسريبها ثم قاموا بتقليص القائمة إلى ثلاثة فقط و في عام 1992 عثرت “ساندرا جرايمز ” أخيرًا على الدليل القاطع الذي وجه أصابع الإتهام نحو ” ألدرتش إيمز ” و هو الجدول الزمني لودائعه البنكية حيث لاحظت أنه قام بإيداع مبلغ نقدي كبير بقيمة 1.3 مليون دولار من مصادر مجهولة و بطبيعة الحال كان لا يتطلب الأمر عالم للصواريخ للتأكد من أنه هو الجاسوس السوفيتي الذي قام بتسريب كل تلك المعلومات .

ألدريتش إيمز العميل المزدوج الذي باع أسرار المخابرات الأمريكية إلي الإتحاد السوفيتي
لحظة إعتقال الجاسوس السوفيتي ألدرتش إيمز

أقرأ أيضا : أوليج بينكوفسكي الجاسوس الذي أنقذ العالم من محرقة أزمة الصواريخ الكوبية

و بدأت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI في مراقبة ” ألدرتش إيمز ” و ذلك من خلال وضع جهاز تعقب على سيارته و التنصت على هاتفه و الكشف عن محتويات القمامة الخاصة به و مع مرور الوقت تمكنوا من الوصول إلي أدلة كافية لإدانته و ألقي القبض عليه هو و زوجته في 21 فبراير عام 1994 حيث أنكر في البداية كل الإتهامات التي وجهت إليه إلا أنه و بعد مواجهته بالأدلة أعترف بما فعله أما بالنسبة لزوجته فليس من الواضح تمامًا مدى معرفتها بأنشطة زوجها أو المشاركة فيها لكنها خالفت القانون بتوقيعها على إقرارات ضريبية غير صحيحة كما أجرت مكالمة هاتفية مشبوهة واحدة على الأقل مع ” ألدرتش إيمز ” و خلال محاكمته أعترف بأنه مذنب في التجسس و حُكم عليه بالسجن مدي الحياة دون الإفراج المشروط. و تم إحتجازه في سجن اتحادي بولاية “إنديانا” و كجزء من صفقة إقراره بالذنب أقرت زوجته بإرتكابها جرائم تتعلق بالتهرب الضريبي و التآمر لإرتكاب عمليات تجسس و قضت بموجب ذلك خمسة سنوات داخل السجن و بعد إطلاق سراحها عادت إلى “كولومبيا” .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *