الجاسوسة جوليا تشايلد التي كان لعملها الفضل في أن تكون أشهر طاهية في أمريكا

مع بدء إنتشار التلفزيون داخل الولايات المتحدة أهتمت العديد من القنوات بالبرامج المختصة بالطبخ و إعداد أشهي المأكولات و من بين مقدمي تلك البرامج برز إسم جوليا تشايلد كواحدة من أمهر الشيفات في البلاد حيث كان لبرنامجها الذي حمل إسم الشيف الفرنسي الكثير من المعجبين و المتابعين نظرا لسلاسة أسلوبها الجذاب و صوتها الحماسي خلال إعدادها تلك الوصفات و رغم معرفة الجمهور عنها بأنها طاهية ممتازة إلا أنهم لا يعرفون أن ذلك قد حدث بعد أن عملت جاسوسة لدي مكتب الخدمات الإستراتيجية الذي تحول لاحقا إلي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA و أن شغفها بإعداد أشهي الوصفات التي قدمتها إلي الجمهور قد تولد لديها أثناء قيامها بعدد من العمليات خلال الحرب العالمية الثانية بالمشاركة مع زوجها الجاسوس بول تشايلد لتصبح بذلك قصة جوليا تشايلد واحدة من أغرب القصص التي شهدها عالم الجاسوسية .

ولدت “جوليا تشايلد” تحت إسم “جوليا كارولين ماكويليامز” في 15 أغسطس عام 1912 في مدينة “باسادينا” بولاية “كاليفورنيا” الأمريكية و كانت طفولتها مرفهة للغاية حيث كان والدها “جون ماكويليامز جونيور” يعمل مصرفيًا ناجحًا بينما كانت والدتها “جوليا كارولين ويستون” وريثة لشركة ويستون بيبر في ولاية “ماساتشوستس” و تلقت تعليما جيدًا بعد التحقت بمدرسة كاثرين برانسون للبنات و نظرا لطول قامتها أصبحت فيها قائدة لفريق السلة و رئيسة نادي المشي لمسافات طويلة و بعد أن أنهت دراستها في المدرسة إلتحقت بكلية سميث للبنات التي كانت فيها والدتها و خالتها و تخصصت في التاريخ و كانت ناشطة في العديد من الفعاليات داخل الكلية .

الجاسوسة جوليا تشايلد التي كان لعملها الإستخباري الفضل في أن تكون أشهر طاهية في أمريكا

و عقب تخرجها أخذت “جوليا تشايلد” دورة سكرتارية في مدرسة باكارد التجارية لكنها إستقالت بعد شهر عندما حصلت على وظيفة مناسبة كسكرتيرة في شركة مفروشات منزلية مقرها مدينة “نيويورك” و عملت فيها لمدة أربع سنوات إلي أن تم فصلها بعد خطأ إداري قامت به و رغم أن حياتها كانت تسير بشكل طبيعي للغاية إلا أنها قد تحولت بشكل جذري مع إستعداد “الولايات المتحدة” للدخول في الحرب العالمية الثانية حيث كانت مثل العديد من الأمريكيين أرادت مساعدة وطنها لذلك في سبتمبر عام 1941 و قبل ثلاثة أشهر من مشاركة بلادها رسميا قامت ” جوليا تشايلد ” بالتطوع في الصليب الأحمر الأمريكي و ترأست قسم خدمات الكتابة المختصرة به كما عملت أيضًا في خدمة التحذير من الطائرات و هي خدمة مدنية داخل الجيش الأمريكي يقوم أفرادها بمراقبة أي من طائرات العدو التي تدخل المجال الجوي الأمريكي و الإبلاغ عن ذلك .

الجاسوسة جوليا تشايلد التي كان لعملها الإستخباري الفضل في أن تكون أشهر طاهية في أمريكا

و حاولت ” جوليا تشايلد ” الإنضمام إلي الجيش و لكن لسوء الحظ تم رفضها في فيلق الجيش النسائي (WACs) بسبب أنها كانت طويلة جدا إلا أن ذلك لم يردعها عن المحاولة مجددا و نجحت في عام 1942 أن تصبح كاتبة كبيرة في وحدة البحث التابعة لمكتب معلومات الحرب في “واشنطن” العاصمة و بحلول نهاية العام كانت ” جوليا تشايلد ” مساعد باحث مبتدئ في فرع المخابرات السرية التابع لمكتب الخدمات الإستراتيجية ( OSS ) الذي أصبح بعد ذلك وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA و كانت واحدة من بين 4500 امرأة خدمت في ذلك المكتب أنذاك و خلال عملها قامت بتسجيل الآلاف من أسماء الضباط داخل نظام قاعدة البيانات الداخلية للوكالة بالإضافة إلي التعامل مع وثائق إستخباراتية عالية السرية .

و بعد ذلك قاد عمل ” جوليا تشايلد ” في مجال التجسس إلى قسم معدات الإنقاذ البحري في حالات الطوارئ و ساعدت في تطوير وصفة لطارد أسماك القرش حيث كان في ذلك التوقيت يتعرض ظباط البحرية الأمريكية للعديد من هجمات أسماك القرش في المياه بالاضافة إلي قيام تلك الأسماك بتفجير عدد من الألغام البحرية التي تم زراعتها لإستهداف القوات المعادية و هو ما مثل خسارة كبيرة للأمريكيين لذلك تم تكليف مكتب الخدمات الإستراتيجية بإنشاء وصفة لطرد أسماك القرش يمكن إستخدامها في المساعي العسكرية تحت الماء و بعد الكثير من التجارب التي أستغرقت عام كامل و أستخدمت فيها عدد من المواد سواء كانت سامة أو أحماض عضوية أو حتى لحوم أسماك القرش المتحللة وجد فريق البحث الذي كانت ” جوليا تشايلد ” عضوة فيها أن مادة أسيتات النحاس هي أكثر المواد الطاردة فعالية لإبعاد القروش .

الجاسوسة جوليا تشايلد التي كان لعملها الإستخباري الفضل في أن تكون أشهر طاهية في أمريكا

و خلال مسيرتها المهنية كظابطة للمخابرات تم وضع ” جوليا تشايلد ” في عدة محطات بالخارج حيث عملت في مرصد العمليات الأمنية و شغلت مناصب في “الصين” و “الهند” و في عام 1944 تم إرسالها للعمل في “سريلانكا” حيث التقت بزوجها “بول تشايلد” و هو ضابط زميل لها في مكتب الخدمات الإستراتيجية و بعد أن تزوج الإثنان إنتقلوا إلى مدينة “باريس” في “فرنسا” حيث تم تعيين زوجها في وكالة المعلومات الأمريكية عام 1948 و خلال فترة وجودهما أصبحت ” جوليا تشايلد ” التي تركتها نشأتها المتميزة بلا مهارات في الطبخ مغرمة بالمطبخ الفرنسي لذلك بعد أن أنتهي عملها الإستخباري مع نهاية الحرب العالمية الثانية التحقت بإحدى مدارس الطهي المرموقة في “فرنسا” حيث كان ذلك بالنسبة لها مشروعًا طموحًا لأنه كما تقول أقصي ما كانت تستطيع فعله حينها هو غلي الماء من أجل إعداد الشاي .

و عقب تخرج ” جوليا تشايلد ” من مدرسة الطهي التقت بسيمون بيك و لويزيت بيرثول اللذان كانا في خضم كتابة كتاب طبخ للقراء الأمريكيين حيث أنضمت إليهم لإتمام ذلك المشروع و الذي أستغرق 10 سنوات من العمل الشاق في المطبخ للحصول على وصفات جديدة و إعادة كتابة و تحرير مخطوطة الكتاب قبل أن يتم تبنيه أخيرًا من قبل ناشر رئيسي و الذي أصدره عام 1961 تحت عنوان “إتقان فن الطبخ الفرنسي ” حيث تقول أنها تشعر بالدهشة أن الأمر أستغرق منها 40 عاما حتي تجد شغفها الحقيقي المتعلق بالطهي .

أقرأ أيضا : الراقصة الهولندية ماتا هاري هل كانت جاسوسة للألمان و الفرنسيين أم كبش فداء

و بعد نجاح كتابها عملت ” جوليا تشايلد ” علي تقديم برنامج تلفزيوني بعنوان ” الشيف الفرنسي ” حيث كان الأول من نوعه على شاشة التلفزيون نظرا لأنه لم يقتصر علي عرض مهاراتها في الطهي فحسب بل لسحرها كشخصية تلفزيونية جذابة و قامت بتصوير 199 حلقة منه تم بثها بين عامي 1963 و 1966 و تمكنت من ترسيخ مكانتها كرمز للطبخ داخل “الولايات المتحدة” كما أستمرت في كتابة العديد من كتب الطبخ الأخرى و شاركت في تأسيس معاهد مثل المعهد الأمريكي للنبيذ و الطعام و مؤسسة جوليا تشايلد لفنون الطهي و في المقابل نالت عدد من التكريمات على براعتها في الطهي أبرزها وسام جوقة الشرف الفرنسي و هو أعلى وسام يمكن أن يُمنح للمدنيين و العسكريين إلي أن توفيت عام 2004 عن عمر يناهز 91 عامًا .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *