ما هى المحكمة الجنائية الدولية ؟ ما تاريخ المحكمة الجنائية الدولية ؟

المحكمة الجنائية الدولية ICC هي منظمة حكومية دولية يقع مقرها بمدينة لاهاي في هولندا و هي المحكمة الأولي و الوحيدة التي لها صفة الولاية القضائية لمحاكمة الأفراد على إرتكابهم جرائم حرب و عدوان و إبادة الجماعية و جرائم ضد الإنسانية و أنشئت رسميا عام 2002 بموجب نظام روما الأساسي المتعدد الأطراف و يعتبرها أنصارها خطوة كبيرة نحو تحقيق العدالة الدولية و نصرة لحقوق الإنسان بينما فى المقابل تواجه المحكمة الجنائية الدولية بإنتقادات من الحكومات و منظمات المجتمع المدني الذين يتهموها بالتحيز و المركزية الأوروبية و العنصرية كما يتم التشكيك في نزاهة إختيار القضايا و إجراءات المحاكمة التي تختلف كليا عن محكمة العدل الدولية التي تعتبر أحد أهم مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بالنظر في النزاعات بين الدول .

ما هي المحكمة الجنائية الدولية ICC

تاريخ المحكمة الجنائية الدولية

تم إقتراح إنشاء محكمة دولية لمحاكمة القادة السياسيين المتهمين بإرتكاب جرائم دولية لأول مرة خلال مؤتمر باريس للسلام عام 1919 عقب الحرب العالمية الأولي و قد تم تناول هذه القضية مرة أخرى في مؤتمر عقد في “جنيف” تحت رعاية عصبة الأمم عام 1937 و أسفر عن إبرام الإتفاقية الأولي التي نصت على إنشاء محكمة دولية دائمة لمحاكمة أعمال الإرهاب الدولي و تم التوقيع على الإتفاقية من قبل 13 دولة لكن لم تصدق عليها أي دولة لذلك لم تدخل حيز التنفيذ أبدًا و في أعقاب الحرب العالمية الثانية أنشأت القوى المتحالفة محكمتين مخصصتين لمحاكمة قادة المحور المتهمين بإرتكاب جرائم حرب حيث قامت المحكمة العسكرية الدولية التي إنعقدت في نورمبرج بمحاكمة القادة الألمان بينما حاكمت المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى في طوكيو القادة اليابانيين و في عام 1948 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة بالحاجة إلي إنشاء محكمة دولية دائمة للتعامل مع الفظائع من ذلك النوع الذي تمت ملاحقته بعد الحرب العالمية الثانية و بناءً على طلب الجمعية العامة قامت لجنة القانون الدولي (ILC) بصياغة نظامين أساسيين بحلول أوائل الخمسينيات من القرن الماضي لكن تم وضعهما على الرف خلال الحرب الباردة مما جعل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية أمر غير واقعي من الناحية السياسية .

و ظلت فكرة المحكمة الجنائية الدولية حبيسة الأدراج حتي يونيو عام 1989 حين أعاد ” إيه إن آر روبنسون ” رئيس وزراء “ترينيداد وتوباجو” إحياء فكرة إنشائها من خلال إقتراح محكمة لمعالجة تجارة المخدرات غير المشروعة و ردًا على ذلك كلفت الجمعية العامة لجنة القانون الدولي مرة أخرى بصياغة النظام الأساسي للمحكمة الدائمة و بينما بدأ العمل على المسودة أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة محكمتين مخصصتين في أوائل التسعينيات و هي المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة التي أنشئت عام 1993 رداً على الفظائع واسعة النطاق التي إرتكبتها القوات المسلحة خلال حروب “يوغوسلافيا” و المحكمة الجنائية الدولية لرواندا التي أنشئت عام 1994 في أعقاب الإبادة الجماعية التي ألمت بالبلاد و قد أبرز إنشاء هذه المحاكم للكثيرين الحاجة إلى ضرورة وجود محكمة جنائية دولية دائمة .

تاريخ المحكمة الجنائية الدولية ICC
مؤتمر روما لوضع النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية عام 1998

و بحلول عام 1994 قدمت لجنة القانون الدولي مشروعها النهائي للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى الجمعية العامة و أوصت بعقد مؤتمر للتفاوض على معاهدة تكون بمثابة النظام الأساسي للمحكمة و في الفترة من عام 1996 و حتي 1998 عُقدت ست دورات للجنة التحضيرية في مقر الأمم المتحدة قدمت خلالها المنظمات غير الحكومية العديد من المدخلات و حضرت الإجتماعات تحت مظلة المنظمة الجامعة للتحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية و أخيرا عقدت الجمعية العامة مؤتمرا بروما في يونيو عام 1998 بهدف وضع الصيغة النهائية للمعاهدة لتكون بمثابة النظام الأساسي للمحكمة و في 17 يوليو عام 1998 تم إعتماد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأغلبية 120 صوتًا مقابل سبعة و إمتناع 21 دولة عن التصويت و كانت الدول السبع التي صوتت ضد المعاهدة هي الصين و العراق و إسرائيل و ليبيا و قطر و الولايات المتحدة و اليمن .

وصوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر عام 1999 و مرة أخرى في 12 ديسمبر عام 2000 على تأييد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية و بعد 60 تصديقًا دخل نظام روما الأساسي حيز التنفيذ في 1 يوليو عام 2002 و أنشئت المحكمة الجنائية الدولية رسميًا و تم إنتخاب الهيئة الأولي المكونة من 18 قاضيًا الذين أدوا اليمين في الجلسة الإفتتاحية للمحكمة في 11 مارس عام 2003 و التي بدأت بمباشرة أعمالها و أصدرت أوامر الإعتقال الأولي في 8 يوليو عام 2005 كما عقدت أولي جلسات الإستماع في عام 2006 و أصدرت حكمها الأول عام 2012 عندما وجدت أن زعيم المتمردين الكونغولي “توماس لوبانجا دييلو ” مذنباً بإرتكاب جرائم حرب تتعلق بإستخدام الجنود الأطفال و حُكم عليه بالسجن لمدة 14 عاماً.

الهيكل التنظيمي

للمحكمة الجنائية الدولية أربعة أجهزة رئيسية و هي الرئاسة و الأقسام القضائية و مكتب المدعي العام و قلم المحكمة .

الرئاسة و هي هيئة مسؤولة عن إدارة المحكمة الجنائية الدولية بإستثناء مكتب المدعي العام و تتألف من الرئيس و النائبين الأول و الثاني و هم ثلاثة قضاة يتم إنتخابهم من قبل زملائهم القضاة الثمانية عشرة لمدة أقصاها فترتان و مدة كل منها ثلاث سنوات .

الأقسام القضائية و تتكون من ثمانية عشر قاضياً ينظرون في القضايا المعروضة على المحكمة و مقسمين إلي ثلاث غرف و هم الغرفة التمهيدية و الغرفة الابتدائية و غرفة الإستئناف و يتم إنتخاب هؤلاء القضاة من قبل جمعية الدول الأطراف و يخدمون لمدة تسع سنوات و لا يحق لهم عمومًا إعادة إنتخابهم و يجب أن يكون جميع القضاة من مواطني الدول الأطراف في نظام روما الأساسي و لا يجوز أن يكون هناك قاضيان من مواطني دولة واحدة و يجب أن يكونوا أشخاصًا يتمتعون بأخلاق رفيعة و نزاهة و يتمتعون بالمؤهلات المطلوبة في دولهم للتعيين في أعلى المناصب القضائية .

مكتب المدعي العام و يرأسه المدعي العام الذي يقوم بالتحقيق في الجرائم و مباشرة الإجراءات الجنائية أمام الدائرة القضائية و يجوز له أو لأي شخص يجري التحقيق معه أو محاكمته أن يطلب تنحية القاضي من أي قضية يمكن أن يكون حياده فيها موضع شك معقول لأي سبب و أي طلب لتنحية القاضي عن قضية معينة يتم البت فيه بالأغلبية المطلقة للقضاة الآخرين و يساعد المدعي العام واحد أو أكثر من نواب المدعي العام و ينص نظام روما الأساسي على أن مكتب المدعي العام يعمل بشكل مستقل و على هذا النحو لا يجوز لأي عضو في المكتب أن يسعى أو يتصرف بناءً على تعليمات من أي مصدر خارجي مثل الدول أو المنظمات الدولية أو المنظمات غير الحكومية أو الأفراد و يجوز للمدعي العام أن يفتح تحقيقاً في ثلاث حالات و هي عندما تتم إحالة طلب من قبل دولة طرف أو عندما تتم إحالة حالة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للعمل على معالجة تهديد للسلام و الأمن الدوليين أو عندما تأذن الدائرة التمهيدية للمدعي العام بفتح تحقيق على أساس المعلومات الواردة من مصادر أخرى مثل الأفراد أو المنظمات غير الحكومية و يجوز لأي شخص يتم التحقيق معه أو محاكمته أن يطلب تنحية المدعي العام عن أي قضية قد يكون حياده فيها موضع شك معقول لأي سبب من الأسباب و تبت غرفة الإستئناف في طلبات تنحية المدعين العامين و يجوز عزله من منصبه بقرار من الأغلبية المطلقة للدول الأطراف حال إكتشاف ارتكابه سوء سلوك جسيم أو خرق جسيم لواجباته أو عدم قدرته على ممارسة مهامه .

قلم المحكمة و يرأسه المسجل و هو مكلف بإدارة جميع الوظائف الإدارية للمحكمة الجنائية الدولية بما في ذلك المقر الرئيسي و وحدة الإحتجاز و مكتب الدفاع العام و توظف المحكمة الجنائية الدولية أكثر من 900 موظف من حوالي 100 دولة و تجري الإجراءات باللغتين الإنجليزية و الفرنسية .

أقسام المحكمة الجنائية الدولية ICC

و تتم إدارة المحكمة الجنائية الدولية من قبل جمعية الدول الأطراف التي تعتبر الهيئة التشريعية و الرقابية للمحكمة و هي هيئة تتكون من الدول الأطراف و تنتخب مسؤولي المحكمة و تقر ميزانيتها و تعتمد أي تعديلات قد تطرأ في نظام روما الأساسي و هي تتكون من ممثل واحد عن كل دولة طرف و لكل دولة صوت واحد و يجب بذل كل الجهود للتوصل إلى قرارات بالإجماع و إذا لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء يتم إتخاذ القرارات عن طريق التصويت و يرأس الجمعية رئيس و نائبان للرئيس و يتم إنتخابهم من قبل الأعضاء لمدة ثلاث سنوات و تجتمع الجمعية بكامل هيئتها مرة واحدة في السنة بالتناوب بين “نيويورك” و “لاهاي ” و يجوز لها أيضًا عقد جلسات خاصة عندما تقتضي الظروف ذلك و دورات تلك المحكمة مفتوحة للدول المراقبة و المنظمات غير الحكومية و تنتخب الجمعية القضاة و المدعين العامين و تقرر ميزانية المحكمة و تعتمد نصوصًا مهمة كما توفر الإشراف الإداري على الأجهزة الأخرى للمحكمة و تسمح المادة 46 من نظام روما الأساسي للجمعية بعزل القاضي أو المدعي العام من منصبه في حال ثبت أنه أرتكب سوء سلوك جسيم أو إنتهاكًا خطيرًا لواجباته أو غير قادر على ممارسة مهامه و يتطلب عزل القاضي أغلبية الثلثين من القضاة الآخرين و أغلبية الثلثين من الدول الأطراف و لا يجوز للدول الأطراف التدخل في الوظائف القضائية للمحكمة و تتم تسوية المنازعات المتعلقة بالقضايا الفردية من قبل الأقسام القضائية.

و يتبع مقر المحكمة الجنائية الدولية مركز إحتجاز يكون فيه الأفراد المدانين من قبل المحكمة الذين يقضون عقوبتهم و كذلك المشتبه بهم المحتجزين في إنتظار نتيجة محاكمتهم و هو يتألف من إثنتي عشرة زنزانة في مقر فرع شيفينينجن لمؤسسة هاغلاندن الجزائية بالقرب من المقر الرئيسي كما لدي المحكمة أيضا مكتب إتصال في “نيويورك” و مكاتب ميدانية في الأماكن التي تمارس فيها أنشطتها و في عام 2007 كان لها مكاتب ميدانية في مدن كمبالا و كينشاسا و بونيا و أبيشي و بانجي .

مبنى المحكمة الجنائية الدولية في مدينة لاهاي بهولندا

أنشطتها

بدأت المحكمة الجنائية الدولية نشاطها رسميا في 1 يوليو عام 2002 بعد دخول نظام روما الأساسي حيز التنفيذ و أصبحت الدول التي تعد طرفًا في نظام روما الأساسي أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية و إعتبارًا من نوفمبر عام 2023 بلغ عدد الدول الأعضاء 124 دولة شملت جميع دول قارة أمريكا الجنوبية و كل دول قارة أوروبا تقريبًا و معظم بلدان قارة أوقيانوسيا و نصف دول قارة أفريقيا تقريبًا و كانت ” بوروندي ” و “الفلبين” دولتين عضوتين لكنهما إنسحبتا لاحقًا أعوام 2017 و 2019 بينما لم توقع 41 دولة و بذلك لم تصبح أطرافًا في نظام روما الأساسي .

و تهدف المحكمة الجنائية الدولية إلى أن تكون بمثابة “محكمة الملاذ الأخير” بمعنى أنها مكملة للأنظمة القضائية الوطنية القائمة و لا يجوز لها ممارسة إختصاصها القضائي إلا عندما تكون المحاكم الوطنية غير راغبة أو غير قادرة على محاكمة المجرمين بتلك البلد و لا يجوز لها التحقيق و المحاكمة في الجرائم المرتكبة إلا داخل الدول الأعضاء أو من خلال الجرائم التي يرتكبها مواطني الدول الأعضاء أو الجرائم التي يحيلها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيث عقدت جلستها الأولى عام 2006 و كانت بشأن إتهامات بإرتكاب جرائم حرب ضد ” توماس لوبانجا دييلو ” أمير الحرب الكونغولي المتهم بتجنيد الأطفال و الذي أدين عام 2012 كما وجهت إتهامات لعشرات الأفراد من بينهم زعيم المتمردين الأوغندي “جوزيف كوني” و الرئيس السوداني السابق ” عمر البشير ” و الرئيس الكيني “أوهورو كينياتا” و الرئيس الليبي “معمر القذافي” و رئيس ساحل العاج “لوران جباجبو” .

الأوغندي دومينيك أونجوين خلال الإجراءات التمهيدية للمحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية

و في 17 مارس عام 2023 أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية أوامر إعتقال بحق الزعيم الروسي ” فلاديمير بوتين ” و المفوضة الرئاسية لحقوق الأطفال في “روسيا ” “ماريا لفوفا-بيلوفا” بتهمة إختطاف الأطفال في الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 و بذلك أصبح ” بوتين ” أول رئيس دولة عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يخضع لمذكرة إعتقال من المحكمة الجنائية الدولية و على الرغم من أن “روسيا ” سحبت توقيعها من نظام روما الأساسي عام 2016 و بالتالي فهي ليست مشاركًا في المحكمة الجنائية الدولية و لا تخضع لولايتها القضائية إلا أنه تم إتهام “بوتين” بإتخاذ إجراءات ضد “أوكرانيا” التي ليست طرفًا و لكنها قبلت إختصاص المحكمة منذ عام 2014 و بذلك يكون في حالة سفر “بوتين” إلى دولة طرف في المحكمة الجنائية فمن الممكن أن يتم القبض عليه من قبل السلطات المحلية ثم أتي الرد من الحكومة الروسية عام 2023 بوضع العديد من مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية على قائمة المطلوبين .

و على عكس محكمة العدل الدولية فإن المحكمة الجنائية الدولية مستقلة قانونًا عن الأمم المتحدة إلا أن ذلك لا يمنع من تعاونها مع المنظمة الأممية في العديد من المجالات المختلفة بما في ذلك تبادل المعلومات و الدعم اللوجستي كما تقدم المحكمة تقارير إلى الأمم المتحدة كل عام عن أنشطتها و تعقد بعض إجتماعات جمعية الدول الأطراف في مرافق الأمم المتحدة كما تتعاون المحكمة الجنائية الدولية أيضا مع العديد من المنظمات الغير حكومية و المعنية بحقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش و منظمة العفو الدولية .

و علي مدار سنوات عملها أتُهمت المحكمة الجنائية الدولية بالتحيز و إعتبارها أداة للإمبريالية الغربية حيث لم تعاقب سوى قادة الدول الصغيرة و الضعيفة بينما تتجاهل الجرائم التي ترتكبها الدول الأكثر ثراءً و قوة و قد تم التعبير عن هذا الشعور بشكل خاص من قبل الزعماء الأفارقة بسبب التركيز المزعوم غير المتناسب للمحكمة على أفريقيا ففي حين تدعي المحكمة أن لديها ولاية عالمية إلا أن جميع الحالات التي باشرتها المحكمة الجنائية الدولية كانت موجودة في بلدان أفريقية .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *